تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما الحرية في الإسلام ولدى فلاسفة الأنظمة في العالم المتمدن فهي حرية منظمة ومقيدة بعدم المساس بحريات الآخرين وبحرية المجتمع، وعدم التصادم .. وفي الواقع تنتهي الحرية حيث تبدأ حريات الآخرين، وحيث تكون في مظلة النظام الذي تضعه كل دولة على حدة لخير الأمة والمجتمع.

وتلتقي الحرية بمفهومها الإسلامي أيضا مع مفاهيم غير الإسلام بضرورة تقدير وجود مسلَّمات عالمية ينبغي مراعاتها لخير الإنسانية جمعاء، فهي حرية منفتحة وهادفة وضرورية لكل إنسان في مظلة النظام.

مأسسة الحرية

* لماذا لم تتبلور قيمة الحرية في إطار تقييم السلطة وأدائها، وضمن إطار منهج الخلافة الراشدة في قول كلمة الحق للسلطان؛ مما يدخل في دائرة الحرية في التعبير والنقد؟

** أغلب السلطات الزمنية اشتراكية أو رأسمالية تتأثر بفلسفة معينة، وتنظم وفق تلك الفلسفة، فقد تصيب الحق أو تخطئه، وقد تلتقي مع مفاهيم الحكماء والفلاسفة في العالم وقد تصادم مفاهيمهم وآراءهم، أما الحرية في الإسلام فهي منضبطة وموضوعية ومشرَّعة مأخوذة من هدي الوحي الإلهي.

وقيمة الحرية في إطار منهج الخلافة الراشدة نابع من قيم إلهية ومحترمة من قادتها وخلفائها لانضباطهم والتزامهم بمنطق الإسلام الذي هو دين الحق والعدل والمساواة والحرية الأصيلة، سواء كانت حرية النقد والتعبير.

لهذا نجد تصريحات الخلفاء الراشدين الخمسة (أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وعمر بن عبد العزيز) معبرة عن كلمة الحق وغيره من القيم الإنسانية، وتسير في فلك هدي الله بعمق فهم ووعي وتقدير ذي أفق بعيد المدى، يشمل الحاضر والمستقبل .. من ثم أذعنوا للحق، والتزموا بمعياره، وتقيدوا بحدوده، سواء في حق أنفسهم وفي ممارسة سلطانهم، أو في حق غيرهم من عباد الله الذين يشاركونهم في الالتزام بدين الحق والعدل والمساواة وحرية التعبير والنقد.

فسمح هؤلاء الخلفاء لرعيتهم بحرية القول، وتوجيه النصح، والنقد والتبرم والمعارضة، لا يخشون في الله لومة لائم، ولا يهابون إلا الله، ولا ينقادون بهوى متبع، أو شهوة ذاتية، ولا يتأثرون بتوجيهات خارجية لتحويل مسار الحق بحسب مصالحهم وأطماعهم وتوجهاتهم، ويفرون من الاستبداد والظلم والطبقية وعبادة كرسي السلطة وطغيان النفس والمادة وسلب الناس حقوقهم.

* لابد ونحن نتحدث عن الحرية أن نتطرق إلى موضوع الديمقراطية أيضا .. كيف تنظر إلى هذا المفهوم؟ وهل يمكن للأنظمة الإسلامية بشكل عام والحركات الإسلامية بشكل خاص أن تتمثل الديمقراطية فعلا وأن تنتجها؟

** الديمقراطية نوعان: ديمقراطية غربية علمانية (لا دينية) بشرية، وديمقراطية إسلامية إلهية تتقيد بوحي الدين الإلهي، فلا تزيح عن منهاجه، ولا تتجاوز حدوده، وكلا النوعين مرغوب فيه عند أتباع كل فئة.

أما الديمقراطية الغربية فمبادئها في الأصل لخير المجتمع وفق منطق الواقع، وإطلاق الحرية للشعب؛ إذ هي في أصل المبدأ حكم الشعب للشعب وبالشعب .. تحكم السلطة وتتجاوب مع إرادة الشعب.

لكن ذلك مرسوم ضمن خطة معينة ومصالح مادية وإستراتيجيات مهيمنة، لذلك تريد هذه الأنظمة الغربية الدعوة للديمقراطية بشرط تحقيق مصالحها أولا، وتعصف بأي ديمقراطية ولا تسمح بها إذا عارضت تلك المصالح والأطماع وحب القيادة والسيادة على الآخرين، والمثال الواضح أن أنظمة الديمقراطية الغربية لا تسمح بظهور ديمقراطية إسلامية أو غيرها تصادم منطق الغرب ومصالحه، ولا تمكن أتباع الديمقراطية الإسلامية من الوصول إلى السلطة الفعلية، كما حدث في الجزائر منذ سنوات، وكما حدث مع منظمة حماس في فلسطين منذ سنتين.

وحينئذ يمكن للأنظمة الإسلامية وحركاتها تطبيق الديمقراطية الإسلامية التي تتصادم مع علمانية الديمقراطية الغربية، بشرط توفير المناخ الدولي غير الظالم والطامع أو المتسلط على مقدرات العالم الإسلامي والتدخل في شئونه.

وأما بعض الأنظمة العربية التي تبتعد عن الأساليب والمناهج الديمقراطية فهي مطالبة أولا بالتزام قيم الإسلام الأصيلة، وتقيد المسلمين بنظام هدي الله في أحكامهم، ومدخلها الحرية المنظمة التي هي أقدس وأرفع منار لحقوق الإنسان في العالم.

وهذا يتطلب تحرك التمسك بالموروثات، والسلطة القيادية لصالح فئة معينة، والترفع عن المساس بحقوق الإنسان المجردة، والتنازل عن الاستئثار بالثروة ومنابعها.

الحرية .. معرفيا

* هل الحرية في إطار المعرفية الإسلامية قابلة للتعريف؟

** إن الحرية الدينية سهلة الفهم جدا إن فهمت بأنها من أجل خير الإنسان في دنياه وآخرته، فهي حرية هادفة ومسئولة ومنضبطة بنظام الشريعة الإلهي، كما بينت، ومن يريد التفلت من هذا النظام فهو عدو نفسه وأمته، وضد هدي ربه.

لذا فقد يعاقب الإنسان في الدنيا على سوء استعمال حريته من أجل حمايته وصيانة مستقبله من أي تعثر، وتحقيق النجاة له في عالم متغير متلاطم محكوم بالأهواء ومستوردات النظم القوية الغربية القائمة على الفصل المطلق بين الدين والدنيا، أي العلمانية، وإطلاق الحرية للعقول البشرية من أجل أن تسن القوانين المختلفة بهدي أفكار شعبها، وإن صادمت القيم الدينية والأخلاقية والإيمانية بعالم الآخرة والإيمان بهدي الله الخالق المشرع العادل، وهدي النبوات والقرآن الخالد.

إن الحرية الدينية في الإسلام مكفولة وغير ملغية، ومحترمة على الإطلاق، كما أوضحت سابقا، لكن سوء اختيار البشر يعرّضهم للمساءلة في الآخرة، وأحيانا في الدنيا، لتحقيق سعادتهم ونجاتهم وحمايتهم من الأخطاء، قال الله تعالى محذرا: ?وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقاً? (الكهف: 29).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير