ـ[محبة القرآن]ــــــــ[08 Apr 2009, 06:49 م]ـ
سورة (النبأ)
الحلقة (2) الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ونبيه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
قال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (16)) هذه الآيات استعراض مدهش لعجيب صُنع الله، وبديع خلقه في الآفاق, مما تخضع له الرقاب، وتُذعن له الجباه, ويُقر هؤلاء المخاطبون بحقيقته. واالاستفهام في قول الله تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا) , استفهام تقريري؛ لأنهم مُقرون بما فيه.
فابتدأ الله تعالى بالآيات الأرضية, ثم ثنّى بالآيات السماوية, فقال أولاً: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا) , فهذه الأرض التي تدبّون عليها, وتتنقلون في أكنافها, وتسيرون في مناكبها, وتحرثونها وتزرعونها, ألم نجعلها لكم مهاداً؟ ومعنى مهاداً أي: ممهدة مفروشة. فهم يمتهدونها، ويفترشونها، كما قال تعالى في الآية الأخرى: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ? أَإِلَ?هٌ مَعَ اللَّهِ ? بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} النمل: 61, فالله تعالى بسط لنا هذه البسيطة, بحيث نطمئنُّ في السير عليها، وفي السُّكنى فوقها، وفي الحرث، والزرع فيها., فهي آية قريبة جداً، نلامسها كل حين. وجواب هذا الاستفهام (بلى)؛ لأنه قد صُدِّر بالهمزة في قوله: (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا).
ثم قال تعالى: (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) انتقل إلى مظهر آخر من مظاهر آياته الأرضية، وهى هذه الجبال الراسيات، التي جعلها الله سبحانه وتعالى بمنزلة الأوتاد, كالأطناب للخيمة, فالخيمة لا تثبت، إلا إذا دُقّت أوتادها في الأرض, فكذلك هذه الأرض، لا تستقرُّ إلا بهذه الجبال قال تعالى: {وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} الأنبياء: 31, والجبل على هيئة الوتد؛ جزء منه بارزٌ على وجه الأرض, وجزء منه غائر فيها. فدل ذلك على أن هذه الجبال المنظورة، لها في جوف الأرض عُمْق وامتداد. وسبب تسميتها أوتاداً؛ لأنها تمنع الأرض من الحركة، والاضطراب، والزلازل, إلا ما شاء الله. فالله تعالى، بحكمته البالغة، قد وزّع الأثقال في الأرض، بحيث تمنعها من أن تميد وتضطرب. أو أن المراد: أن هذه الأوتاد، والكتل الضخمة من الجبال التي إذا رأى الإنسان بعضها، يندهش من هولها، وعظمتها، لها ما يقابلها في أغوار البحار. بمعنى أن الله سبحانه وتعالى كما جعل هذه المرتفعات الشاهقة فوق الأرض، قابل ذلك بخلق البحار والأودية، والأغوار.
والله تعالى يذكر الأرض، والسماء، والجبال، مقترنةً، في غير ما موضع في كتابه؛ منها قوله عز وجل: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ? إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} الأحزاب: 72, وسيأتي إن شاء الله تعالى، في سورة سبح، ذكر هذا الاقتران.
ثم قال تعالى: (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8)) , وهذه نقلة من الآفاق إلى الأنفس. وكلها آيات لله عز وجل قال سبحانه وتعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى? يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ? أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى? كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} فصلت: 53.
¥