فقوله تعالى: (وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا)، المراد بالزوجية: الذكورة، والأنوثة. فإن الله سبحانه وتعالى، قد ركّب نظام الخلق، وسر التكاثر، على هذه الزوجية. وهذا ليس عند بني الإنسان فقط, بل حتى عند الحيوانات، والحشرات، والنباتات، وغيرها من المخلوقات. فالتزاوج يحصل به التناسل، والتكاثر، وحفظ النوع. وهو آية عظيمة, فالله تعالى، في الأصل، خلقنا من نفس واحدة؛ وهو آدم عليه السلام. ثم إن الله تعالى، خلق من ضِلْعه الأيسر القصير أُمّنا حواء, فنام آدم نومة في الجنة, فاستيقظ فإذا هي إلى جواره, قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} النساء: 1, والآن يعمر الأرض من الآدميين، ما يزيد على ست مليارات من البشر, مُختلفو الأجناس، والأعراق، والألوان، واللغات, كلهم يرجعون إلى أب واحد، وأمٍّ واحدة. فهذه آية عظيمة! وإذا تفكر الإنسان في خلق الرجل، وخلق المرأة، وكيف جعل الله تعالى، أحدهما يُكمل الآخر. ولما فتح الله تعالى، على الناس العلوم الحديثة والبحوث المَخْبرية , زاد إيمان المؤمن ببديع صنع الله. وهذا التزاوج ينشأ عن التقاء حيوان مِنويٍّ من الذكر، وبًُويضة من الأنثى. وهاتان خليّتان تختلفان عن سائر الخلايا, فكل خليّة من خلايا البدن، كما يقول المتخصصون في علم وظائف الأحياء، تحمل ستة وأربعين مُورِّثاً، أو (جيناً) , المُسمى عندهم بـ (الكروموسومات) , إلا الخليّة التناسلية, فإن في الحيوان المنوي ثلاثة وعشرين, وفي البويضة ثلاثةً وعشرين. فإذا حصل التلقيح، والإخصاب، بإذن الله، انضم هذا من الرجل، وهذا من الأنثى، فحصل التخليق. كما أن هذا التزاوج, ليس تزاوجاً حسياً فقط, بل تزاوج نفسي أيضاً؛ فإن الذكر يأنس بالأنثى, والأنثى تأنس بالذكر. ولهذا امتن الله، عز وجل، على عباده بذلك، وجعل ذلك من آياته، فقال في الآية الأخرى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً ? إِنَّ فِي ذَ?لِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الروم: 21, فهذا جانب روحي, وليس جانباً مادياً, ولا يستغني عنه الإنسان.
ثم قال تعالى: (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9)) , هذا أيضاً، مظهر من مظاهر القدرة الإلهية، والآيات العظيمة في النفس, وهو هذا النوم الذي يُلقيه الله تعالى، على أحدنا، فيدخل في حالة ليست كحالة اليقظة, وليست أيضاً كحالة الموت, بل هي حالة وسيطة، لابد للإنسان منها. وقد وصفها الله سبحانه وتعالى بأنها: سُبات. وأحسن ما قيل في تعريف السُبات: أنه الرَّاحة، والسَكْن. وقيل غير ذلك؛ فقيل: إن معنى سُباتاً أي: موتاً. وقيل: قطْعاً للحركة. وهذه المعاني تؤول في النهاية إلى هذه المِنّة، وهي أنه يحصُل بهذا النوم الراحة، والسَكْن. ولو استرسل الإنسان في اليقظة لأضرّ به ذلك في بدنه, فالبدن يحتاج إلى راحة, ولأضرّ به في نفسه؛ لأن النفس تُنهك، وتُرهق, ولأضرّ به في عقله, فإن العقل لا يُطيق أن يعمل باستمرار, فلذلك ألقى الله تعالى علينا هذا النوم، وحتى لو لم نستدعْه، لاضطررنا إليه، ولألقانا.
وقد جاء في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن بني إسرائيل قالوا: يا موسى هل ينام ربك؟ قال: اتقوا الله. فناداه ربه عز وجل: يا موسى سألوك: هل ينام ربك؟ , فخذ زجاجتين في يديك, فقم الليل. ففعل موسى, فلمّا ذهب من الليل ثلث, نعس فوقع لركبتيه، ثم انتعش فضبطهما, حتى إذا كان آخر الليل نعس, فسقطت الزجاجتان فانكسرتا. فقال: يا موسى، لو كنت أنام لسقطت السموات والأرض فهلكن كما هلكت الزجاجتان في يديك (1). فسبحانه تعالى وبحمده, هو الحي، القيوم، الغني بنفسه. أما الآدمي، فإنه ضعيف بطبعه يحتاج إلى النوم. والنوم في حق الله نقص، يُنزه عنه، قال تعالى: {اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ .. } البقرة:255, لكن النوم في حق الآدمي كمال، ونفع، وفائدة. وهو آية من آيات الله، كما قال تعالى في الآية الأخرى: {وَمِنْ آيَاتِهِ
¥