يقول جل ثناؤه: قال فرعون للذين كانوا سحرته فآمنوا: آمنتم لموسى بأن ما جاء به حق قبل أن آذن لكم في الإيمان به.
إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ
يقول: إن موسى لرئيسكم في السحر , وهو الذي علمكموه , ولذلك آمنتم به.
فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
عند عقابي إياكم وبال ما فعلتم , وخطأ ما صنعتم من الإيمان به.
لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ
القول في تأويل قوله تعالى: {لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين} يقول {لأقطعن أيديكم وأرجلكم} مخالفا في قطع ذلك منكم بين قطع الأيدي والأرجل , وذلك أن أقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى , ثم اليد اليسرى والرجل اليمنى , ونحو ذلك من قطع اليد من جانب , ثم الرجل من الجانب الآخر , وذلك هو القطع من خلاف {ولأصلبنكم أجمعين} فوكد ذلك بأجمعين إعلاما منه أنه غير مستبق منهم أحدا.
قَالُوا لَا ضَيْرَ
يقول تعالى ذكره: قالت السحرة: لا ضير علينا ; وهو مصدر من قول القائل: قد ضار فلان فلانا فهو يضير ضيرا , ومعناه: لا ضرر. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 20217 - حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: {لا ضير} قال: يقول: لا يضرنا الذي تقول , وإن صنعته بنا وصلبتنا.
إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ
يقول: إنا إلى ربنا راجعون , وهو مجازينا بصبرنا على عقوبتك إيانا , وثباتنا على توحيده , والبراءة من الكفر به.
إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا
القول في تأويل قوله تعالى: {إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا} يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل السحرة: إنا نطمع: إنا نرجو أن يصفح لنا ربنا عن خطايانا التي سلفت منا قبل إيماننا به , فلا يعاقبنا بها. كما: 20218 - حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله: {إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا} قال: السحر والكفر الذي كانوا فيه.
أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ
يقول: لأن كنا أول من آمن بموسى وصدقه بما جاء به من توحيد الله وتكذيب فرعون في ادعائه الربوبية في دهرنا هذا وزماننا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: * -حدثني يونس , قال: أخبرنا ابن وهب , قال: قال ابن زيد , في قوله {أن كنا أول المؤمنين} قال: كانوا كذلك يومئذ أول من آمن بآياته حين رأوها.
(الشعراء)
فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى
{قالوا آمنا برب هارون وموسى قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي علمكم السحر فلأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف} قال: فكان أول من قطع الأيدي والأرجل من خلاف فرعون {ولأصلبنكم في جذوع النخل} قال: فكان أول من صلب في جذوع النخل فرعون.
قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا
القول في تأويل قوله تعالى: {قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا} يقول تعالى ذكره: قالت السحرة لفرعون لما توعدهم بما توعدهم به: {لن نؤثرك} فنتبعك ونكذب من أجلك موسى {على ما جاءنا من البينات} يعني من الحجج والأدلة على حقيقة ما دعاهم إليه موسى. {والذي فطرنا} يقول: قالوا: لن نؤثرك على الذي جاءنا من البينات , وعلى الذي فطرنا. ويعني بقوله: {فطرنا} خلقنا ; فالذي من قوله: {والذي فطرنا} خفض على قوله: {ما جاءنا} , وقد يحتمل أن يكون قوله: {والذي فطرنا} خفضا على القسم , فيكون معنى الكلام: لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والله. وقوله: {فاقض ما أنت قاض} يقول: فاصنع ما أنت صانع , واعمل بنا ما بدا لك {إنما تقضي هذه الحياة الدنيا} يقول: إنما تقدر أن تعذبنا في هذه الحياة الدنيا التي تفنى. ونصب الحياة الدنيا على الوقت وجعلت إنما حرفا واحدا. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل. ذكر من قال ذلك: 18266 - حدثنا ابن حميد , قال: ثنا سلمة , عن ابن إسحاق , قال: حدثت عن وهب بن منبه {لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا} أي على الله على ما جاءنا من الحجج مع بينة {فاقض ما أنت قاض}: أي اصنع ما بدا لك {إنما تقضي هذه الحياة الدنيا} أي ليس سلطان إلا فيها , ثم لا سلطان لك بعده.
(طه: 70)
تلك قصتهم ـ رضي الله عنهم ـ مختصرة وسأتبعها ـ بإذن الله ـ بتعليقات لصاحب الظلال رحمه الله، وحبذا أن يقوم الأساتذة الكرام بإضافة ما يفتح الله عليهم بها أو نقل ما ورد في كتب التفسير الأخرى.
¥