أول أخطاء كلامك هو أن نصف ما تفضلتَ به لا علاقة له بموضوعنا، فموضوعنا عن الحكم بالتخطئة لا عن آثار التخطئة والأحكام المترتبة عليها؛ فأنت لم تنته مثلاً لأن مخالف القطعي لا نحكم بتخطئته،فالقدر الذي هو غرض الموضوع والذي هو الحكم بالتخطئة لمخالف القطعي=لم تتعرض لنفيه أصلاً، وإنما كلامك عن تكفير مخالف القطعي، وهذا ليس محل البحث أصلاً ..
يبقى قولك بالجزم بالتخطئة في الظنيات وهي نقطة الخلاف الوحيدة لكلامي وسيأتي نقضها ..
(2)
فالقطعي لا يحتمل الخلاف أصلا , ومن يخالف فيه يكون له أحد الحكمين التاليين:
:الأول:ان لا يكون يعلم القطعية: وبهذا يعذر لذلك فإن ثبتت القطعية وأصر على قوله كان كالصنف الثاني.
الثاني: أن يعلم قطعية النص ويخالفه , وبذلك يحكم على كفر من خالفه , وحاد حكم الشرع , لأنه بذلك كذب الله ورسوله ... فمن هنا يكون مخالفة هذا الأمر كفرا بواحا , لأنه لا يستساغ فيه خلاف , ومرد تكفير من يخالف القطعي هو تكذيبه لله ورسوله , فهو علم ثبوت القول وثبوت دلالة القول ثم أعرض عنه وزعم خطأ وكذب قائله.
كلامنا عن الذي لا يعلمها ولم تتبين له لشبهة سائغة، وإمكان عدم تبين بعض القطعيات وارد ..
إذ القطعيات تتفاوت
فموقفنا منه هو الجزم بخطئه والرد عليه بالرد العلمي المناسب ..
اما القطعيات= فمنها ما يبلغ أن يكون ظاهراً يعلم بالضرورة فهذا هو الذي ترتب عليه أحكام التكفير، ومنها ما دون ذلك مما يكون قطعياً لكن تحتوشه شبهة تمنع التكفير بمخالفته ولو أصر على عدم القطعية لقيام التأويل السائغ، وغاية آثاره أن يكون خلاف من خالفه هو من جنس الخلاف غير السائغ ..
قال شيخ الإسلام رداً على من نفى الوصول للقطعية بالاجتهاد: ((تضمن هذا الكلام أن ما علم بالاجتهاد لا يكون قطعياً قط، وليس الأمر كذلك، فرب دليل خفي قطعي)).
قال الجويني: ((ثم القواطع: منها الجلي ومنها خفي ... )).
ولذا لا يأثم مخالف القطعي لمجرد مخالفته له ..
قال شيخ الإسلام: ((وَالصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ أَنَّ مَسَائِلَ الِاجْتِهَادِ لَمْ يَكُنْ فِيهَا دَلِيلٌ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وُجُوبًا ظَاهِرًا، مِثْلُ حَدِيثٍ صَحِيحٍ لَا مُعَارِضَ مِنْ جِنْسِهِ فَيَسُوغُ لَهُ - إذَا عَدِمَ ذَلِكَ فِيهَا - الِاجْتِهَادُ لِتَعَارُضِ الْأَدِلَّةِ الْمُتَقَارِبَةِ.أَوْ لِخَفَاءِ الْأَدِلَّةِ فِيهَا.وَلَيْسَ فِي ذِكْرِ كَوْنِ الْمَسْأَلَةِ قَطْعِيَّةً طَعْنٌ عَلَى مَنْ خَالَفَهَا مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ كَسَائِرِ الْمَسَائِلِ الَّتِي اخْتَلَفَ فِيهَا السَّلَفُ))
فتأمل كيف جعلها قطعية ثم جعل مخالفها من المجتهدين الذين لا يُطعن فيهم؟؟
قال شيخ الإسلام: ((فمن قال إن المخطىء في مسألة قطعية أو ظنية يأثم فقد خالف الكتاب والسنة والإجماع القديم))
يُتبع بعدُ
ـ[أبو فهر السلفي]ــــــــ[11 Jul 2010, 09:54 ص]ـ
(3)
أما عند كون المخالف قد خالف في ظني فلا يخلو المخالف من حالين:
الأول: مكذب خبر الآحاد الصحيح: ويحكم بفسق كل من خالف خبرا صحيحا لا ينازع في صحته , وليس الأمر كذلك لمن ضعف الحديث بعلم. وإنما يفسق كل من جعل هواه حاكما على الضعف.وهذا الأمر متعلق بالسنة دون القران ,لأن القران كله قطعي الثبوت.
لا مجال لهذا وهو خروج عن محل البحث فكلامنا في تخطئة الأقوال العلمية وأقوال المجتهدين والتي تبنى على الاجتهاد والنظر ..
وحتى الحكم بالقطعية والظنية في الثبوت يكون محل اجتهاد:
يقول شيخ الإسلام: ((ثُمَّ هِيَ-أي الأحاديث- مُنْقَسِمَةٌ إلَى: مَا دَلَالَتُهُ قَطْعِيَّةٌ؛ بِأَنْ يَكُونَ قَطْعِيَّ السَّنَدِ وَالْمَتْنِ وَهُوَ مَا تَيَقَّنَّا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَهُ وَتَيَقَّنَّا أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ تِلْكَ الصُّورَةَ. وَإِلَى مَا دَلَالَتُهُ ظَاهِرَةٌ غَيْرُ قَطْعِيَّةٍ. فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَيَجِبُ اعْتِقَادُ مُوجَبِهِ عِلْمًا وَعَمَلًا؛ وَهَذَا مِمَّا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنَّمَا قَدْ يَخْتَلِفُونَ فِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ هَلْ هُوَ قَطْعِيُّ السَّنَدِ أَوْ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ؟ وَهَلْ هُوَ قَطْعِيُّ الدَّلَالَةِ أَوْ لَيْسَ بِقَطْعِيٍّ ... وَتَارَةً
¥