ـ[يسري خضر]ــــــــ[25 Apr 2009, 10:02 م]ـ
الدين والضحك والمرح
موقع القرضاوي/21 - 4 - 2009
بقلم العلامة الدكتور القرضاوي
قد وُجّه إليّ منذ سنوات سؤال مهم عن موقف الدين من الضحك والمرح والمزاح. قال السائل:
هل يجوز للمسلم أن يضحك ويمزح، ويفرح ويمرح، وتصدر عنه النكات والطرائف والملح، بالقول أو بالفعل، فيضحك الآخرين؟
إن بعض الناس تكونت لديه فكرة: أن الدين يحرم على الإنسان الضحك والمزاح والتنكيت والمداعبة، ويفرض عليه الجد والصرامة في كل أحواله. ويؤيدون هذا الاعتقاد بأمرين:
الأول: موقف كثير من المتدينين، أو المتحمسين للدين، حيث لا يرى أحدهم إلا مقطب الجبين، عبوس الوجه، متجهمًا عند اللقاء، خشنًا في الكلام، فظًا في المعاملة مع الناس، وخصوصًا غير المتدينين.
والثاني: بعض النصوص، التي قرأوها أو سمعوها من بعض الوعاظ والخطباء، ففهموا منها أن الإسلام لا يرحب بالضحك والفرح والمزاح، مثل حديث "لا تكثر من الضحك، فإن كثرة الضحك تميت القلب" [1].
وحديث: "ويل للذي يحدث الحديث ليضحك به القوم، فيكذب، ويل له، ويل له" [2].!
وحديث وصف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، بأنه: "كان متواصل الأحزان" [3].
وقوله تعالى على لسان قوم قارون: (لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين) القصص: 76.
وحسب قراءتي ومعلوماتي عن الإسلام ـ وهي محدودة ـ أعتقد أن هذا ظلم للإسلام الذي جاء بالاعتدال في كل شيء.
فالرجاء توضيح موقف الإسلام في هذه القضية، مؤيدًا بالأدلة الشرعية. نفع الله بكم، وجزاكم خيرًا.
الإنسان حيوان ضاحك:
وقد أجبت السائل بما يلي:
الضحك من خصائص الإنسان، فالحيوانات لا تضحك؛ لأن الضحك يأتي بعد نوع من الفهم والمعرفة لقول يسمعه، أو موقف يراه، فيضحك منه.
ولهذا قيل: الإنسان حيوان ضاحك، ويصدق القول هنا: أنا أضحك، إذن أنا إنسان.
والإسلام ـ بوصفه دين الفطرة ـ لا يتصور منه أن يصادر نزوع الإنسان الفطري إلى الضحك والمرح والانبساط، بل هو على العكس يرحب بكل ما يجعل الحياة باسمة طيبة، ويحب للمسلم أن تكون شخصيته متفائلة باشّة، ويكره الشخصية المكتئبة المتطيرة، التي لا تنظر إلى الحياة والناس إلا من خلال منظار قاتم أسود.
حاجة الإنسان إلى اللهو:
على أن حاجة الإنسان السوي إلى اللهو حاجة فطرية. ونجيب الذين اعترضوا على حل الألعاب المختلفة بأنها لهو، وهو مذموم، بما أجاب الإمام الغزالي عمن قال: إن الغناء لهو ولعب بقوله: (هو كذلك، ولكن الدنيا كلها لهو ولعب ... وجميع المداعبة مع النساء لهو، إلا الحراثة التي هي سبب وجود الولد، وكذلك المزح الذي لا فحش فيه حلال، نقل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة.
وأي لهو يزيد على لهو الحبشة والزنوج في لعبهم، فقد ثبت بالنص إباحته. على أني أقول: اللهو مروح للقلب، ومخفف عنه أعباء الفكر، والقلوب إذا أكرهت عميت، وترويحها إعانة لها على الجد، فالمواظب على التفكر مثلاً ينبغي أن يتعطل يوم الجمعة؛ لأن عطلة يوم تساعد على النشاط في سائر الأيام، والمواظب على نوافل الصلوات في سائر الأوقات ينبغي أن يتعطل في بعض الأوقات، ولأجله كرهت الصلاة في بعض الأوقات، فالعطلة معونة على العمل، اللهو معين على الجد ولا يصبر على الجد المحض، والحق المر، إلا نفوس الأنبياء عليهم السلام، فاللهو دواء القلب من داء الإعياء، فينبغي أن يكون مباحًا، ولكن لا ينبغي أن يستكثر منه، كما لا يستكثر من الدواء. فإذًا اللهو على هذه النية يصير قربة، هذا في حق من لا يحرك السماع من قلبه صفة محمودة يطلب تحريكها، بل ليس له إلا اللذة والاستراحة المحضة، فينبغي أن يستحب له ذلك، ليتوصل به إلى المقصود الذي ذكرناه. نعم هذا يدل على نقصان عن ذروة الكمال، فإن الكامل هو الذي لا يحتاج أن يروح نفسه بغير الحق، ولكن حسنات الأبرار سيئات المقربين، ومن أحاط بعلم علاج القلوب، ووجوه التلطف بها، وسياقتها إلى الحق، علم قطعًا أن ترويحها بأمثال هذه الأمور دواء نافع لا غنى عنه) انتهي كلام الغزالي [4]، وهو كلام نفيس يعبر عن روح الإسلام الحقة.
ومن الناس من استدل بقوله تعالى: (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين) لقمان:5 على أن كل لهو حرام.
¥