وهذا غير صحيح، لأن الآية الكريمة لم تذم اللهو في ذاته، وإنما ذمت من يشتري اللهو ليضل عن سبيل الله، ويتخذها هزوا، فالمذموم هنا هو المقصود من وراء اللهو، وليس اللهو ذاته. [5]
يؤيد هذا أن القرآن قرن اللهو بالتجارة ـ وهي مشروعة قطعا ـ كما جاء في قوله تعالى (وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما، قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين) الجمعة:11.
رسول الله هو الأسوة:
وأسوة المسلمين في ذلك هو: رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد كان ـ برغم همومه الكثيرة والمتنوعة ـ يمزح ولا يقول إلا حقًا، ويحيا مع أصحابه حياة فطرية عادية، يشاركهم في ضحكهم ولعبهم ومزاحهم، كما يشاركهم آلامهم وأحزانهم ومصائبهم.
يقول زيد بن ثابت، وقد طلب إليه أن يحدثهم عن حال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كنت جاره، فكان إذا نزل عليه الوحي بعث إلي فكتبته له، فكان إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا، وقال: فكل هذا أحدثكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ [6] وقد روي وصفه من بعض أصحابه بأنه كان من أفكه الناس. [7]
وقد رأيناه في بيته صلى الله عليه وسلم يمازح زوجاته ويداعبهن، ويستمع إلى أقاصيصهن، كما في حديث أم زرع الشهير في صحيح البخاري [8].
وكما رأينا في تسابقه مع عائشة رضي الله عنها، حيث سبقته مرة، وبعد مدة تسابقا فسبقها، فقال لها: هذه بتلك! [9] أي (تعادل) بلغة الكرة اليوم! وأذكر أني كنت أدرس لطالباتي في جامعة قطر (السيرة النبوية) وذكرت لهم القصة، وقلت لهم: ماذا تقولون لو رأيتموني مرة أتسابق في العَدْو مع زوجتي؟ ستقولون: جُنَّ الشيخ!
وقد روي أنه وطأ ظهره لسبطيه الحسن والحسين، في طفولتهما ليركبا، ويستمتعا دون تزمت ولا تحرج، وقد دخل عليه أحد الصحابة ورأى هذا المشهد فقال: نعم المركب ركبتما، فقال عليه الصلاة والسلام: "ونعم الفارسان هما"! [10]
وفي رواية: أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع الحسن بن علي برجليه فيقول له: حُزُقَّة تَرَقَّ عين بَقَّة [11] " [12].
وفي رواية عند الطبراني: عن أبي هريرة قال: سمعت أذناي هاتان، وأبصرت عيناي هاتان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بكفيه جميعا، حسنا أو حسينا، وقدماه على قدمي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقول: حُزُقَّة حُزُقَّة ارَقَّ عين بَقَّة، فيرقى الغلام حتى يضع قدمه على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم: قال له: افتح فاك، قال: ثم قبله، ثم قال:: اللهم أحبه، فإني أحبه. [13]
ورأيناه يمزح مع تلك المرأة العجوز التي جاءت تقول له: ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال لها: "يا أم فلان، إن الجنة لا يدخلها عجوز"! فبكت المرأة حيث أخذت الكلام على ظاهره، فأفهمها: أنها حين تدخل الجنة لن تدخلها عجوزًا، بل شابة حسناء.
وتلا عليها قول الله تعالى في نساء الجنة: (إنا أنشأناهن إنشاء. فجعلناهن أبكارًا. عربًا أترابًا) الواقعة:35 - 37 [14].
وجاء رجل يسأله أن يحمله على بعير، فقال له عليه الصلاة والسلام: "إنا حاملوك على ولد الناقة"! فقال: يا رسول الله، وماذا أصنع بولد الناقة؟! -انصرف ذهنه إلى الحوار الصغير- فقال: "وهل تلد الإبل إلا النوق"؟ [15] وقال زيد بن أسلم: إن امرأة يقال لها أم أيمن جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إن زوجي يدعوك، قال: "ومن هو؟ أهو الذي بعينه بياض"؟ قالت: والله ما بعينه بياض فقال: "بلى إن بعينه بياضا" فقالت: لا والله، فقال صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد إلا بعينه بياض" [16] وأراد به البياض المحيط بالحدقة.
وقال أنس: كان لأبي طلحة ابن يقال له: أبو عُمَيْر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيهم ويقول: "يا أبا عُمَيْر ما فعل النُّغَيْر"؟ [17]. لنغير كان يلعب به وهو فرخ العصفور.
¥