ثانياً:طبيعة المعرفة بين نظرية المعرفة الإسلامية والغربية:
1 - طبيعة المعرفة في النظرية الغربية:
إنّ طبيعة المعرفة في الفلسفة الغربية تتمثل في مذهبين هما:
1 - 1 طبيعة المعرفة في الفلسفة المثالية:
يرد المذهب المثالي كل ما هو في الواقع إلى الفكر ومن ثم لا يعترف بوجود عالم مستقل للأشياء عن الفكر لأنّ ما هو خارج الفكر لا يمكن أن يكون معقولاً ولا موجوداً؛ فالموجود هو المدرك وما لا يدرك فلا وجود له
والمثالية تنكر وجوداً واقعياً مستقلاً للأشياء. كما أنّها تنفي أن تكون هناك ثنائية في المعرفة بين عالم الذات " الإنسان" وعالم الموضوع "الأشياء" بل تثبت التطابق بين العالمين الذاتي والخارجي ويذهب فيتشه إلى أن " الذات العارفة ليست فقط مجرد وسيلة تنتهي بالفرد إلى الاتصال بالعالم الخارجي بل هي الأصل في الإيجاد، إيجاد العالم الذي يستحيل أن يوجد في ذاته بمعنى أنّ كل ما هو موجود فهو من صنع الذات العارفة "العقل الإنساني" فلا يوجد إلا عالم واحد وهو العالم كما يبدو لنا ولا عالم في ذاته وانتهت المثالية بذلك إلى إنكار عالم الشهادة.
1 - 2 طبيعة المعرفة في الفلسفة الواقعية:
إنّ الوجود الواقعي- في الفلسفة الواقعية- هو ميدان المعرفة، وهو وجود مستقل عن الإنسان والمعرفة في طبيعتها مادية، وتجعل الواقعية من الحس أو التجربة مصدراً للأفكار أو المبادئ وليس العكس.
2 - طبيعة المعرفة: في نظرية المعرفة الإسلامية:
اهتم علماء المسلمين بإثبات وجود العالم الخارجي وإدراكه في آنٍ واحد ويتضح بذلك أن للفلسفة الإسلامية في هذا المضمار خصائصها وهي:
2 - 1 استقلال ووجود الواقع الخارجي:
تعترف الفلسفة الإسلامية بالمعرفة لدى الإنسان ودورها، كما تعترف في الوقت ذاته بالواقع الخارجي واستقلاله، ولهذا فإنّ للأشياء وجوداً خارجياً واقعياً مستقلاً عن الذات العارفة ووجود هذه الأشياء قائم سواء أدركها الإنسان أم لم يدركها.
2 - 2 المطابقة بين الوجود الذهني والواقعي:
إنّ المعرفة البشرية إنما هي ثمرة التقاء بين ذهن الإنسان وبين الموجودات الخارجية، ويؤمن علماء المسلمين بوحدة الحقيقة والمعرفة ومن ثمّ فإنهم يطابقون بين ما هو موجود في الأذهان وما هو موجود في الواقع، وهذا لا يعني التلازم التام بين الموجودات وذهن الإنسان. بمعنى أنه ليس كل موجود يمكن معرفته وليس كل تصور واقعاً على شئ خارجي. فهناك من الموجودات ما لا سبيل لوسائل المعرفة الإنسانية إلى معرفتها. كما أنه ليس كل تصور أو حكم واقعاً على حقيقة خارجية عن الذهن، إذ يمكن أن ترد إلى العقل البشري خيالات وصور لا وجود لها في الخارج
ثالثا:مصادر المعرفة بين نظرية المعرفة الإسلامية والغربية:
أ. مصادر المعرفة في نظرية المعرفة الغربية:
مصادر المعرفة في نظرية المعرفة الغربية بعد عصر النهضة وابتداءً من القرن السابع عشر هي وليدة للصراع بين الكنيسة والعلماء إذ احتكرت الكنيسة العلم وتفسير الحقيقة، وقد انتهى هذا الصراع لصالح العلم حيث كان للكشوف العلمية والاحتكاك بالعلوم الإسلامية الأثر البالغ في انهيار معارف الكنيسة. والواقع أنّ الفكر في عصر النهضة قد اتسم بنزعة شديدة العداء للسلطة الدينية كما اتسم برغبة جامحة في الخلاص بكل السُّبل من الخضوع للقيادة الفكرية والعلمية لتلك السُّلطة الدينية.
ولهذا فلم يكن هناك مفر من البحث عن مصدر للحقيقة يكون بديلاً للسُّلطة الدِّينية، وكلما كان ذلك المصدر مناوئاً ونقيضاً للمصدر الدِّيني كلما كان ذلك أفضل. ولم يكن هناك من مصدر أفضل من التركيز على الخبرة الإنسانية واستخدام الحواس كأساس للمعرفة العلمية الحقة، فاعتماد الحواس يحرِّر الناس ويعطيهم قيمتهم والحس يقلَّل إلى أقصى حد من قيمة المصدر الدَّيني – ولقد كان للسير فرانسيس بيكون أثر بارز في توجيه العلم للاقتصار على الخبرة الحسِّية وتأسيس الاتجاه الحسي “ Empiricism” ويقابل هذا الاتجاه العقلاني “ Rationalism” الذي يقلِّل من شأن الحس، وكان رينيه ديكارت مؤسِّساً لهذا الاتجاه وتبعاً لذلك فإنّ مصادر المعرفة انحصرت في مصدرين:
1 - المحسوس عن طريق الملاحظة والتجربة:
¥