تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

إنّ معرفة الموجودات في الإسلام ممكنة متهيئة لا سبيل إلى إنكارها وبذلك جاء القرآن والسُّنة وعلى هذا اتفق العلماء المسلمون أيضاً؛ حيث تحدث القرآن عن الوجود والمعرفة وجعلهما دائرين حول خلق الله عز وجل للإنسان وحول مخلوقية هذا الإنسان لله عز وجل التي تقتضي وجوب فهم هذا الإنسان لدوره في الحياة؛ وهذا الدور لا ينتظر منه بحثاً في إمكان المعرفة وعدم إمكانها؛ إذ أنّ الإنسان في إمكانه أن يعلم، وهذه قضية بديهية لا تحتاج إلى إثبات

ولأجل ذلك لم يحفل القرآن بمسألة إمكان المعرفة، وهل يعلم الإنسان شيئاً أو لا يعلم شيئاً؛ إذ أنّ التشكيك فيها أمر مخالف لطبيعة المنهج القرآني ولفطرة الإنسان نفسه لأنّ الله تعالى قد جعل العلم أو العقل أو القدرة على التمييز والتعلُّم ميزة الإنسان التي يتميز بها عن سائر المخلوقات ? وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ? ولهذا فإنّ لإمكان المعرفة في الإسلام خصائص هي:

أ- الوجود الواقعي المستقل للأشياء:

يقرر القرآن أنّ للأشياء وجوداً واقعياً مستقلاً عما في الذهن سواء أدركه الإنسان أم عجز عن إدراكه وذلك خلافاً للنظرة الغربية؛ ولهذا فإنّ عدم إدراك الإنسان للأشياء –حسب النظرة الإسلامية لا يقتضي عدمها

ب- إمكانية إدراك عالم الغيب:

تحدَّث القرآن عن نسبية المعرفة البشرية ?وما أوتيتم من العلم إلا قيلا ? إلا أنّ الوحي – المصدر المعصوم – هو الذي يسِّدد خطى الإنسان في سعيه لتحصيل المعرفة ومن الممكن للعقل البشري إدراك موجودات عالم الغيب والتسليم بوجودها عن طريق هداية الوحي وإرشاده لتتكامل بذلك دائرة المعرفة. ومعلوم أنّ الموجودات بالنسبة للإنسان عموما تنقسم إلى نوعين:

1 - موجودات عالم الطبيعة التي يسميها القرآن عالم الشهادة. وهذه الموجودات يستطيع الإنسان إدراكها بحواسه

2 - موجودات عالم ما وراء الطبيعة التي يسميها القرآن عالم الغيب. وهذه الموجودات لا يستطيع الإنسان إدراكها بالحواس وإنما يستطيع أن يعرفها عن طريق الوحي.

ج- قابلية الإنسان واستعداده للمعرفة:

جعل الله للإنسان القابلية والاستعداد للمعرفة وخلق له الوسائل التي يتم بها هذا الإدراك؛ قال تعالى?وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ?

د- ضرورة إعمال الفكر والنظر:

إنّ القرآن الكريم يقرَّر أنّ في إمكان الإنسان معرفة الكثير من الأشياء إذا ما سلك السُّبل المؤدية إلى المعرفة وقد جاءت آيات كثيرة تحث الإنسان على التفكُّر والتدبر والنظر من أجل هدفين هما:

1 - معرفة الأشياء المبثوثة في الكون من حوله حتى يستفيد منها في حياته المادية ويقوم بواجب الاستخلاف في الأرض.

2 - استشعار عظمة خالق هذه الأشياء ومدبرها ومجريها على سننها الثابتة.

ويتضح مما سبق أنّ المعرفة لو لم تكن ممكنة لكان الأمر القرآني بالنظر والتدبر والتفكُّر لغواً وباطلاً، والله تعالى منزه عن اللغو والعبث كما هو معلوم" وقد أثبت علماء الإسلام إمكانية تحصيل المعرفة، وجعل بعض العلماء مداخل كتبهم في "إثبات العلم والحقائق"؛ أو في إثبات العلوم الضرورية، أو في إثبات العلم وفي إبطال قول من ينفي الحقائق وهم بذلك يردون على السوفسطائية من جانب، ويسلمون بإمكان المعرفة من جانب آخر ليتسنى لهم البحث في طبيعتها ومصادرها؛ إذ أنّ من ينكر إمكان المعرفة لا يستطيع أن يتحدث عن طبيعتها ومصادرها.

وتتجلى يقينية المعرفة واضحة لدى فلاسفة المسلمين خاصة الفارابي وابن سينا؛ إذ لم يثيروا شكاً في إمكان المعرفة، ولهذا كان الرأي السائد في الفلسفة الإسلامية هو إمكانية تحصيل المعرفة؛ يقول النسفي " حقائق الأشياء ثابتة والعلم بها متحقق خلافاً للسوفسطائية"

وقد سبق أنّ المعرفة - حسب النظرة الإسلامية -تتوقف على الوجود ولا يتوقف الوجود عليها ولكن تنعكس هذه النظرة تماماً في الشك المنهجي وذلك لأنّ هذا الشَّك يقتضي طرح كل الأفكار السابقة حتى ولو كانت هذه الأفكار إيمانًا بوجود حقيقي للأشياء

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير