لما قال الصحابة لرسول الله أفتنا في الخمر فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال نزل قوله تعالى:} يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ? وهذه الآية ترجح الضرر على المنفعة، فشربها من المسلمين قوم وتركها آخرون.
المرحلة الثالثة: مرحلة التوقيت:
دعا عبد الرحمن بن عوف ناساً من الصحابة فشربوا وسكروا فقرأ أحدهم "قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون" فنزل قوله تعالى:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ? فصار المنع متعلقاً بأوقات الصلاة لا غير.
المرحلة الرابعة: مرحلة التحريم:
دعا عتبان بن مالك وسعد بن أبي وقاص نفراً من الصحابة فلما سكروا افتخروا وتناشدوا؛ فأنشد سعد شعراً فيه هجاء الأنصار فضربه أنصاري فجرحه؛ فشكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر: اللهم بيَّن لنا في الخمر بياناً شافياً فنزل قوله تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ? فقال عمر انتهينا يا رب
10 - عمومية الأحكام وإلزاميتها:
جاء الوحي متضمناً الشَّريعة السمحاء التي تلزم المؤمنين وتخرج الناس من أهوائهم المتعددة إلى مراد الله تعالى الذي ينصلح به أمرهم في الدنيا والآخرة. وقد تساوى الناس في أحكام الشَّريعة التي لم تستثن أحداً، ومن المعلوم أن الأصل مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته في هذه الأحكام حيث يقول:" صلوا كما رأيتموني أصلي" "وخذوا عني مناسككم"
وغيره من الأدلة التي لا تخرج حتى الرسول صلى الله عليه وسلم من هذه الأحكام، إلا أن بعض الأحكام قد جاءت خاصة به دون غيره من المؤمنين،
11 - تفرد الأسلوب:
ويتميز أسلوب الوحي – قرآناً وسنة - بثلاث خصائص هي:
أ- الأسلوب التفصيلي:
المقصود بالأسلوب التفصيلي أو الهدى التفصيلي تلك الأمور التي حددها الوحي تحديداً وتفصيلاً من ناحية عددها أو كيفيتها أو تحديد زمانها أو مكانها، وهذا الهدى التفصيلي له خصائص هي:
- الأسلوب التفصيلي أكثر ما يكون في المواضع التعبدية التي يقل فيها الاجتهاد وإعمال العقل.
-الأسلوب التفصيلي يكون في السنة أكثر من القرآن؛ وما ذلك إلا لأنّ السنة مفسرة للقرآن مبينة ما غمض منه ومفصلة ما أجمل فيه.
- يكون التفصيل بأشكال متعددة منها:
أ- التفصيل الكيفي نحو تحديد كيفية العقوبات الحدية وغيرها.
ب- التفصيل الكمي نحو تحديد عدد الزوجات وعدد الصلوات وعدد الركعات فيها وغير ذلك.
ج- التحديد الزماني نحو تحديد زمن الصيام وأشهر الحج وغيرهما.
د- التحديد الوصفي نحو تحديد مصارف الزكاة كالفقراء والمساكين وغيرهما.
ب- الأسلوب الكلي:
المقصود بالأسلوب الكلي أو الهدى الكلي تلك الأمور التي حددها الوحي بصورة كلية ولم يحدد تفاصيلها ولا جعل لها أمكنة ولا أزماناً نحو أمره بالعدل والإحسان في قوله تعالى:} إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ?
فالعدل والإحسان ونحوهما معان كلية متروك للعقل تحديدها حسب ضوابط الشرع، ومن المعلوم أن هذه المعاني مفهومة؛ ولكنها كلية واسعة؛ وليست كالأسلوب التفصيلي المحدد تحديداً قاطعاً؛ فالعدل هو ذلك المعنى الذي هو ضد الجور والظلم , أما الإحسان فمشتق من الحسن وهو ضد القبح واتساع المعنى واضح لا خلاف فيه. ولهذا الأسلوب الكلي في الوحي خصائص وهي:
• الأسلوب الكلي يكون في القرآن أكثر من السنة.
• يكون الأسلوب الكلي في المعاملات بصورة أكثر من العبادات، وبذلك يكون المعنى في المعاملات وتصرف الإنسان واسعاً ليشمل كل أنواع المعنى المطلوبة؛ فإذا أمر الله بالعدل ونهى عن الظلم امتد هذا المعنى فشمل كافة أنواع العدل المأمور به وكافة أنواع الظلم المنهي عنه.
ج- الأسلوب المقصدي:
¥