الأسلوب المقصدي في الوحي أعم من الأسلوبين السابقين؛ لأنه أكثر كلية منهما، والمقصود بالأسلوب المقصدي هو ذلك الأسلوب الذي يحدد الهدف والمقصد بصورة كلية،وينقسم هذا الهدى المقصدي إلى قسمين هما:
أن تجتمع مجموعة من نصوص الوحي لتحدد هدفاً واحداً، وقد درس علماؤنا المتقدمون هذا الموضوع وجمعوا علل الأحكام وأسبابها فوجدوا أنّ الشَّريعة الإسلامية كلها تخدم خمسة مقاصد كلية هي:
• حفظ الدين.
• حفظ النفس.
• حفظ العقل.
• حفظ النسل.
• حفظ المال.
12 - شموله للعلوم:
إن القرآن كتاب إلهي شامل لكافة حاجات الإنسان الدنيوية والأخروية، ولهذا لا بد له من أن يكون كتابا جامعاً لكل شئ؛ سواء على الجملة أو التفصيل، قال تعالى:} وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ ?
وقال أيضاً:} مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ? وعن على رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" ستكون فتن كقطع الليل المظلم قلت يا رسول الله وما المخرج منها قال كتاب الله تبارك وتعالى فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل"
ويقول عبد الله بن مسعود " قد بُين لنا في هذا القرآن كل علم وكل شئ "
والحق أن الوحي عموماً -سواء كان قرآناً أو حديثاً مفصلاً له – قد حوى كل العلوم إما على الجملة والعموم أو بالتفصيل.
ويذكر الإمام القرطبي: " أن دلالة القرآن على كل العلوم دلالة مبينة مشروحة أو مجملة"
ويقول أيضاً " صدق خبر الله بأنه ما فرط في الكتاب من شئ إلا ذكره إما تفصيلاً وإما تأصيلاً"
ويقول ابن كثير " إن القرآن قد اشتمل على كل علم نافع من خبر ما سبق وعلم ما سيأتي وكل حلال وحرام وما الناس إلا محتاجون إليه في أمر دنياهم ودينهم ومعاشهم ومعادهم "
13 - صلاحيته لكل زمان ومكان:
جاءت رسالة محمدصلى الله عليه وسلم خاتمه للرسالات؛ قال تعالى عن النبي صلى الله عليه وسلم:} وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ?
ولما كان الأمر كذلك فقد لزم أن يكون القرآن الذي نزل للناس كافة في كل زمان ومكان صالحاً إلى قيام الساعة؛ حيث أنه لا ينسخه كتاب سماوي آخر؛ بل هو الناسخ لكل ما سبقه.
وقد أنزلت آيات كثيرة في الصحابة رضوان الله عليهم فكانت وقائعهم سبباً في النزول؛ إلا أن العلماء قد اتفقوا على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب؛ بمعنى أن الآيات لا تقتصر على أؤلئك الذين نزلت فيهم؛ بل تتعداهم إلى كل من انطبقت فيه الصفات في كل زمان وفي أي مكان، ومن الملاحظ أن القرآن لم يذكر من أسماء المعاصرين للنزول إلا اثنين؛ أحدهما: صحابي والآخر مشرك، وذلك في قوله تعالى:} فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا ? وقوله:} تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ?
وذلك لتعم الآيات كل من صدقت فيه الصفات في كل زمان ومكان ولا تقتصر على أناس بأعينهم؛ إذ أن خطابه تعالى عام.
14 - توحيد الآراء:
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن القرآن:" وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسنة ولا تتشعب معه الآراء "
ولما كان الأمر كذلك فإنّ من شأن الوحي أن يوحّد الآراء المختلفة ويقارب بينها ورغم أن العلماء قد يختلفون في بعض القضايا - إلا أنّ الوحي يجمعهم في الأصول والثوابت الكبرى ولا شك أنّ الناس إذا ما انفلتوا عن هدى الوحي وأعرضوا - اختلفت آراؤهم وتشعبت أفكارهم؛ ويبدو ذلك واضحاً في الفكر الغربي؛ حيث إنّ العلماء فيه - رغم انهم قد اتفقوا على العلمانية وإبعاد الدين واعتماد المادة - إلا انك تجد في العلوم الاجتماعية والإنسانية خاصة من الاختلافات وتعدد المدارس وتضارب الأفكار ما يتعجب المرء له؛ وليس ذلك الأمر بخافٍ.
15 - التكامل:
إن من أبرز خصائص الوحي التكامل والانسجام؛ يقول الله تعالى:
? وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً ?
ولكنه لما كان من عند الله فقد وجد فيه العلماء تناسقاً وانسجاماً وتكاملاً ليس له مثيل في سواه.
¥