تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولما كان خلق الله تعالى للكون أمر ثابت والناس عليه مفطورون - فقد أقر بذلك الكفار أيضاً؛ يقول تعالى عنهم: ? وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ? وقال أيضاً عنهم: ?وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ?

ولا شك أن السبب في إقرار الناس جميعهم بذلك هو الفطرة التي تدفع الناس دفعاً إلى الإقرار بأن الله هو خالقهم.ويذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية إلى أن الفطرة أمر آخر غير الإسلام، يقول ابن تيمية " إنهم كانوا يعلمون جميع ذلك ولم يكونوا بذلك مسلمين"

ورغم أنّ خلق الله للكون أمر ثابت في العقيدة الإسلامية ورغم إثبات القرآن لكون البشر جميعهم مقرين - في أنفسهم- بخلق الله للكون سواء كانوا مؤمنين أو كفاراً. إلا أن الغربيين قد انقسموا إلى قسمين هما:

أ- قسم عاند الفطرة وقال بعدم وجود الله أصلاً وعزى كل أفعال الله للطبيعة وهم أصحاب المعسكر الشرقي.

ب- قسم أقر بخلق الله للكون ولكنه أنكر دوره في تدبير وتسييره وهو القسم الثاني من الفكر الغربي كما سيأتي.

3 - التدبير الكوني:

يقر المسلمون حسب عقيدتهم السامية أن الله مدبر للكون ومتصرف فيه وفقاً لحكمته؛ يقول الله تعالى:

? إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ? (3).

ويقول أيضاً: ? قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللّهُ ?

وقال أيضاً: ? اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ ?

ولما كان الله تعالى كما جاء في القرآن هو المدبر لشؤون الكون فقد كان الإيمان بالقضاء والقدر ركناً أساسياً في عقيدة المؤمن، إذ أنّ الله تعالى متصرف في هذا الكون تصرفاً ثابتاً لا ينازع فيه مؤمن.

ورغم كل ما سبق إلا أنّ الفكر الغربي قد انقسم في هذا الأمر إلى تيارين هما:

1 - التيار المعاند:

أنكر هذا التيار وجود الله أصلاً، وإذا كان هذا التيار قد أنكر الوجود - فمن الطبيعي أن ينكر التدبير أيضاً، وقد ذهب أنصار هذا التيار إيغالاً في العناد إلى أنّ الكون قد تشكَّل بالصدفة لا عن طريق القصد والإرادة؛ وزعموا أن عناصر الذرة قد تلاءمت وتناسبت بمرور السنين، وقد وجدت الحياة في شكل خلية أولية تنامت على مرّ السنين؛ وليس وراء ذلك من إرادة هادفة؛ وإنما هي صدف وموافقات ومنهم من ذهب إلى أن التنوعات الحادثة إنما حصلت بطريق الضرورة في البيئات المختلفة؛ وليس وراء ذلك تدبير أو إرادة هادفة، ولكن من مفارقات هذا التيار أن الحارس الشخصي لستالين ذكر أنه رغم كراهيته للقساوسة والرهبان إلا أنه متدينا متعبدا في السر بحيث لا يراه أحد وكان يدعو الله الذي تنكر وجوده فلسفتهم

2 - التيار المعتدل مقارنة بغيره:

رغم أن التيار المعتدل في الفكر الغربي قد أقر بوجود الخالق - إلا أنه أنكر أن يكون له دور في تدبير الكون وتصريفه، إذ أن الله تعالى عندهم قد وضع في الأشياء قوانين ذاتية طبيعية تسير بها أنفسها دون حاجة إلى تدبيره وتصرفه المباشر؛ إذ أن الله تعالى عندهم ليس إلا كالمهندس الذي صنع الساعة ابتداء ثم تركها تدور وفق قانون معين وضع أساسه هو؛ وليس له بعد ذلك من دور في تسيير هذه الساعة أو مواصلتها لعملها الدائب.

وخلاصة القول في هذا المضمار أن العقل يكشف عن خلل كبير في الرؤية الكلية التي انبتت عليها العلوم الحديثة؛ فإذا كان الله تعالى بقدرته العظيمة قد خلق هذا الكون البديع أفليس من السهل عليه وهو الذي خلق الكون بهذه الدقة الفائقة – أن يكون مدبراً عالماً بما يجري فيه يقول تعالى:? أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ?

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير