تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

أما التيار الثاني في الفكر الغربي فقد ألغى التمايز بين عالم التنزيه الإلهي وعالم الخلق؛ إذ أنكر العالم الإلهي وعزى كل شيء إلى الطبيعة، وهذا الرأي الإلحادي قد شابه رأياً قديماً في وحدة الوجود وإلغاء الفوارق بين الخالق وخلقه وجعل الكون والطبيعة هي بعينها الخالق العظيم، وقد ناهض علماؤنا الأقدمون هذا الاتجاه الإلحادي وهاجموه بشدة إذ ليس من المعقول في حكم العقل أن يخلق أحد شيئاً ثم يتحد معه في الذات؛ والله من صفاته أنه متكبر متعال عن جميع خلقه كما وضح القرآن وجاءت السنة.

3 - المصلحة والرحمة:

خلق الله تعالى الكون رحمة للبشر وتلطفاً بهم ومن أجل منافعهم ومصالحهم؛ قال تعالى: ? هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً?

أي جعل لكم وتفضل عليكم وأنعم بكل ما في الأرض، وهذه الآية دليل على أنّ الأصل في الأشياء الإباحة حتى يقوم الدليل على الحظر بمعنى أنّ الله قد خلق كل الأشياء لمصلحة العباد ومنفعتهم، إلا أنه إذا بينّ حرمة بعض الأشياء فإنها تصبح محرمة مع بقاء غيرها على الحلية والإباحة.

وقد خلق الله كل هذه الأشياء مع إمكان أن لا تخلق؛ ولكنه لما راعى مصلحة العباد؛ فقد خلقها لهم وهو الغني المستغني عن كل شيء وهذا الأصل قد عول عليه كثير من علماء الإسلام؛ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية " إنّ الأصل في جميع الأعيان الموجودة على اختلاف أصنافها وتباين أوصافها أن تكون حلالاً مطلقاً للآدميين وأن تكون طاهرة لا يحرم عليهم ملابستها ولا مباشرتها ومماستها، وهذه كلمة جامعة ومقالة عامة وقضية فاضلة عظيمة المنفعة واسعة البركة يفزع إليها حملة الشريعة فيما لا يحصى من الأعمال وحوادث الناس"

ورغم أنّ كل الأشياء قد خلقها الله لمصلحة عباده إلا أنه ينبغي مراعاة الضوابط الشرعية حتى يمنع الإنسان -من شهوات نفسه - ما منعه الله تعالى وحتى تسير اللذات والشهوات الإنسانية في هذا الكون وفق ما أراده الله؛ ولكن الفكر الغربي قد استباح كل شيء حتى ظهر الفساد في البر والبحر ولم يعد لإشباع رغبات الإنسان وشهوات نفسه من حدود ولا ضوابط، إذ تعدى الإنسان- مراعاة لمصالحه -على مصالح الآخرين، أما الإسلام فقد كان على خلاف ذلك؛ إذ جعل اللذات والشهوات في هذه الدنيا على قسمين:

1 - شهوات ولذات أنكرها الشرع الحنيف وجعلها محرمة وهي تلك الشهوات التي لا ضابط لها.

2 - شهوات ولذات ومصالح أقرها الشرع وجعل قضاءها عملاً صالحاً وهي تلك السائرة وفق حدوده وضوابطه، يقول ابن تيمية " إنما خلق الله سبحانه اللذات والشهوات في الأصل لتمام مصلحة الخلق فإنهم بذلك يجتلبون ما ينفعهم كما خلق الغضب مثلاً ليدفعوا به ما يضرهم وحرم من الشهوات ما يضر تناوله وذم من اقتصر عليها؛ أما من استعان بالمباح الجميل؛ فهذا من الأعمال الصالحة"

4 - التوازن:

خلق الله الكون وجعله متوازناً بحيث لا يختل نظامه ولا يفسد؛ وهذا التوازن من شأنه أن يكون وفق قوانين إلهية كونية ضابطة، قال الله تعالى:? وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً? أي أعطى كل شيء هداه وصلاحه

ويقول الإمام القرطبي " قدر الله كل شيء على ما أراد لا عن سهوة وغفلة؛ بل جرت المقادير على ما خلق الله إلى يوم القيامة "

وقد اقتضت حكمة الله أن يكون الخلق متوازناً، إذ خلق كل شيء بقدر وحكمة مرادة، وهذا التوازن يشير إلى وحدانية الخالق جل وعلا قال تعالى عن السموات والأرض ? لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ?

ولكن لما يكن من إله غير الله - فقد صار الكون في توازن ونظام بديع، ويتجلى هذا التوازن في الكون في كلا الصعيدين: الطبيعي والإنساني؛ وتفصيل ذلك كالآتي:

1 - التوازن الطبيعي:

لما كان الكون مخلوقاً لأجل الإنسان ومرتبطاً بمصلحته ارتباطاً وثيقاً- فقد ذهب علماؤنا الأقدمون إلى مناقشة قضية خلق الله للمؤذيات كالحيات والعقارب وغيرها ويذهب ابن تيمية إلى أن " جميع المخلوقات قد خلقت لغاية مقصودة ... وهذا مما يبين أن الله قد خلق الأشياء لحكمة"

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير