والحق أن كل شيء فيه مصلحة وحكمة سواء خفيت هذه الحكمة أو ظهرت وكلها تشير في نهاية المطاف إلى التوازن والمصلحة الكونيين. ومن المعلوم أنّ للصين تجربة في قتل الطيور التي عندما تم القضاء المبرم عليها من جهة تكاثرت الفئران من جهة أخرى فأحدثت فساداً أكبر مما كانوا يخشونه، وهذا يدل دلالة واضحة على التوازن الكوني.
2 - التوازن الاجتماعي والإنساني:
ذكر الله تعالى في كتابه العزيز أنه قد جعل الكون متوازناً ومنع عنه الفساد بدفع قوة بعض الناس بقوة الآخرين؛ يقول تعالى:
? وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ?
فالعالم ليس مسيراً بأهواء الناس وشهواتهم؛ وإلا وقع الفساد والإفساد؛ وإنما هو مسير بقدرة الله تعالى وتدبيره قال تعالى
? وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ ?
ومعلوم أنّ تدخل الإنسان بغروره وطموح شهواته التي ليس لها حد ولا ضابط - في كل شيء في الكون سوف يقلب الكون عليه جحيماً لا يطاق.
5 - الغائية وعدم العبث:
ذكر الله تعالى في كتابه العزيز أنه ما خلق هذا الكون لاعباً أو عابثاً؛ وإنما خلقه لغاية وهدف وحكمة؛ قال تعالى:? أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً ? وقال أيضاً: ? وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ?
وقال أيضاً:? وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ?
وقال أيضاً: ? وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ?
ولا شك أنّ الإنسان إذا اقتصر على الكون المادي دون تجاوز ذلك بالنظر فإنه لا يمكن أن يدرك عظمة الله ولا قدرته ولا حكمته من خلال هذا الكون؛ ويكون علمه بذلك علماً بظاهر الحياة الدنيا بصورة سطحية لا تعمق فيها ولا تفكر ولا نظر.
ومعلوم أن الحس وحده لا يدرك أمراً كلياً؛ وإنما يدرك الجزئيات؛ والذي يدرك الكليات - كما ذكر العلماء هو العقل لا الحواس، كما أن العقل ينفرد عن الحس بأنه يدرك العواقب والمآلات وما وراء هذه الأمور الحسية
ولأجل ذلك يجب إعمال العقل حتى يتمكن الإنسان من إدراك الحكمة الإلهية وراء خلق الله للكون. ومن الجدير بالذكر في هذا المضمار أنّ العقل - وإن كان يمكنه الوصول إلى الله ومعرفة حكمته من خلال الكون - إلا أنّ الله تعالى قد أنزل للبشر من النور ما به يمكن للعقل أن يرى الأشياء بوضوح؛ ولأجل ذلك كان العقل وحده ليس سبباً في السعادة والوصول إلى الله؛ يقول ابن تيمية " الذكاء والفطنة لا يوجبان السعادة ولا ينفع الإنسان ذلك شيئاً إلا أن يعبد الله وحده لا شريك له ويؤمن برسله واليوم الآخر"
6 - محدودية الأجل:
خلق الله الكون من العدم؛ فكانت لحظة الخلق هي البداية، ولما كان الكون حادثاً بعد أن لم يكن - فقد كان من الطبيعي أن تكون له نهاية يفنى فيها؛ وبهذا المعنى جاء القرآن وتكلمت السنة.ورغم أن ذلك أمر ثابت في عقيدة المسلمين إلا أن العلم الطبيعى قد ساد فيه حتى منتصف القرن العشرين أن الكون أزلي دائم لا بداية له ولا نهاية ولكن تكَّشف لهذا العلم أخيراً ما يوافق ما جاء به القرآن.
7 - محدودية علم الإنسان بالكون:
من الثابت في الإسلام أنّ الإنسان مهما بلغ من العلم والمعرفة فإن علمه يبقى محدوداً قاصراً؛ قال تعالى:? وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ?
إلا أن الإنسان - لغروره الكبير- قد قيد الوجود بمعرفته فما عرفه فهو موجود وما لم يعرفه فهو غير موجود؛ ولأجل ذلك كانت نظرية الوجود في الفكر الغربي تابعة لنظرية المعرفة وهذه مشكلة كبرى، يقول ابن تيمية متحدثاً عن اتجاه قديم شبيه بذلك "إنهم يظنون أن لا موجود إلا ما علموه هم ... فإنّ عدم العلم ليس علماً بالعدم؛ ولكن نفيهم كنفي الطبيب للجن لأنه ليس في صناعة الطب ما يدل على ثبوت الجن؛ وإلا فليس في علم الطب ما ينفى وجود الجن، وهكذا تجد من عرف نوعاً من العلم وامتاز به على العامة الذين لا يعرفونه فيبقى بجهله نافياً لما لا يعلمه، وبنو آدم ضلا لهم فيما جحدوه ونفوه بغير علم أكثر من ضلالهم فيما أثبتوه
¥