تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

بِالِاسْتِدَارَةِ وَالدَّوَرَانِ وَأَصْلُ ذَلِكَ: أَنَّ " الْفَلَكَ فِي اللُّغَةِ " هُوَ الشَّيْءُ الْمُسْتَدِيرُ يُقَالُ تَفَلَّكَ ثَدْيُ الْجَارِيَةِ إذَا اسْتَدَارَ وَيُقَالُ لِفَلْكَةِ الْمِغْزَلِ الْمُسْتَدِيرَةِ فَلْكَةٌ؛ لِاسْتِدَارَتِهَا. فَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَاللُّغَةِ عَلَى أَنَّ " الْفَلَكَ " هُوَ الْمُسْتَدِيرُ وَالْمَعْرِفَةُ لِمَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ: مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ مِنْ السَّلَفِ وَمِنْ اللُّغَةِ: الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَا وَهِيَ لُغَةُ الْعَرَبِ. وَقَالَ تَعَالَى: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} قَالُوا: وَ " التَّكْوِيرُ " التَّدْوِيرُ يُقَالُ: كَوَّرْت الْعِمَامَةَ وَكَوَّرْتهَا: إذَا دَوَّرْتهَا وَيُقَالُ: لِلْمُسْتَدِيرِ كَارَةٌ وَأَصْلُهُ " كورة " تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا."

ولما أصبحت كروية الأرض من الأمور التي يمكن أن يدركها عامة الناس وأصبحت ثقافة عندهم جاءت التفاسير صريحة في بيان دلالة الآية على ذلك المعنى الذي ربما أنكره الكثير في زمن سابق لا لأن اللفظ لا يدل عليه وإنما لأنه يتعارض مع مدركات الناس وثقافتهم العامة.

يقول الطاهر بن عاشور:

"والتكوير حقيقته: اللف واللي، يقال: كور العمامة على رأسه إذا لواها ولفها، ومثلت به هنا هيئة غشيان الليل على النهار في جزء من سطح الأرض وعكس ذلك على التعاقب بهيئة كور العمامة إذ تغشى اللية اللية التي قبلها.

وهو تمثيل بديع قابل للتجزئة بأن تشبه الأرض بالرأس، ويشبه تعاور الليل والنهار عليها بلف طيات العمامة، ومما يزيده إبداعا إيثار مادة التكوير الذي هو معجزة علمية من معجزات القرآن المشار إليها في المقدمة الرابعة والموضحة في المقدمة العاشرة فإن مادة التكوير جائية من اسم الكرة، وهي الجسم المستدير من جميع جهاته على التساوي، والأرض كروية الشكل في الواقع وذلك كان يجهله العرب وجمهور البشر يومئذ فأومأ القرآن إليه بوصف العرضين اللذين يعتريان الأرض على التعاقب وهما النور والظلمة، أو الليل والنهار، إذ جعل تعاورهما تكويرا لأن عرض الكرة يكون كرويا تبعا لذاتها، فلما كان سياق هذه الآية للاستدلال على الإلهية الحق بإنشاء السماوات والأرض اختير للاستدلال على ما يتبع ذلك الإنشاء من خلق العرضين العظيمين للأرض مادة التكوير دون غيرها من نحو الغشيان الذي عبر به في قوله تعالى يغشي الليل النهار في سورة الأعراف، لأن تلك الآية مسوقة للدلالة على سعة التصرف في المخلوقات لأن أولها إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش فكان تصوير ذلك بإغشاء الليل والنهار خاصة لأنه دل على قوة التمكن من تغييره أعراض مخلوقاته، ولذلك اقتصر على تغيير أعظم عرض وهو النور بتسليط الظلمة عليه، لتكون هاته الآية لمن يأتي من المسلمين الذين يطلعون على علم الهيئة فتكون معجزة عندهم".

ـ[مرهف]ــــــــ[06 Feb 2010, 02:51 م]ـ

من الأمور التي استوقفتني في كلام العلامة الأستاذ الدكتور محمد قوله: (تصوّر الآن، لو نزلت في القرآن آية تتحدث عن كروية الأرض في عصر التنزيل لكُذّب النبي صلى الله عليه وسلم، هو أساساً – عليه الصلاة والسلام – لم يأت بما يخالف الناس وكذّبوه! فجاء التعبير {يكوّر الليل على النهار ويكوّر النهار على الليل}، {رب المشارق والمغارب}، {رب المشرقين ورب المغربين} ففهمنا هذا – كما يقول موريس بوكاي – في عصر متأخر ولا غبار علينا ولا حرج).

فهذه العبارة لا أراه تليق في مقام تصديق الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم، فقد أخبرهم عليه الصلاة والسلام بما هو أعجب من ذلك وأعظم كإخبارهم بالإسراء والمعراج وفتح قصور كسرى وفتوح غيرها من البلدان واستهزأ به المنافقون في المدينة والمشركون في مكة، ولم يكن ذلك سبباً لسكوته صلى الله عليه وسلم.

كما أن منهج موريس بوكاي ليس حجة على الباحثين في طريقة البحث، فبوكاي جعل العلوم منطلق بحثه وهو معذور في فعله بحكم البيئة المادية التي ترفض الدين أصلاً وتعتقد بتعارض الدين مع العلم، وهذا منفي في ثقافة المسلمين وعقيدتهم، فالآيات التي استشهد بها على كروية الأرض إنما أفادت ذلك بإشارة النص وباستخدام أدوات التفسير العلمية وكذلك فهمها علماء المسلمين سلفاً وخلفاً، ولابن حزم كلام طويل في ذلك في كتابه الملل.

ـ[أبو سعد الغامدي]ــــــــ[06 Feb 2010, 03:53 م]ـ

ما قاله الدكتور مرهف صحيح

وهنا يجب أن ننظر إلى المسألة من وجه آخر ونقول:

لماذا جاءت هذه الإشارات التي لا يمكن أن يستوعبها العامة ـ وأقول يستوعبها لأنه فرق بين أن أومن بالشيء وبين أن أدرك حقيقته ـ في ذلك العصر؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير