تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ... " (البقرة 168) إلى آيات "يسألونك ... قل" والتي تليها. إلى قوله تعالى: "كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ" (242). وواضح أن معنى آياته هنا: شريعته. وهكذا نرى أن ما ذكر من أسباب لنزول قوله تعالى: "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ"، لا يتوافق مع السياق من حيث إن "الأسباب" لا يكون لها تأثير ولا فائدة إلا إذا عزلنا هذه الآية عن سياقها واعتبرناها مستقلة بنفسها. أما إذا اعتبرنا السياق واكتفينا به فإن المعنى سيكون أوضح، وخالياً من أي تشويش. والشيء نفسه يمكن قوله بشأن الآية الثانية.

2 - ذلك أن جميع الروايات التي اطلعنا عليها والتي تقدم "أسباباً" لنزول قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ... "، لا تستقيم إلا إذا سلخنا هذا المقطع من جملة الآية التي يقع ضمنها، واعتبرناه مستقلاً ومنفصلاً عما بعده. ذلك أن نص الآية كاملة هو: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً" (النساء 43). وواضح أن سياق هذه الآية متصل متلاحم وأنه لا يمكن عزل "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى ... "، وإلا استحال فهم ما بعدها. إن شرح معنى الآية كاملة يقتضي عبارة واحدة متصلة كقولنا: يأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا تقربوا الصلاة وأنتم على جنابة ولا تقربوا المصلى (المسجد) حتى تغتسلوا إلا إذا كنتم مارِّين به مجرد مرور، وفي حالة ما إذا كان بكم مرض يتضرر بالماء (كالجرح)، أو كنتم على سفر، أو جاء أحدكم من الغائط، أو جامعتم زوجاتكم، ولم تجدوا الماء لتغتسلوا، فتيمموا حجراً نظيفاً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ... ثم صلُّوا. وواضح أنه لا مكان هنا لروايات أسباب النزول المذكورة.

3 - أما الآية الثالثة، وهي قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (المائدة 90). فهي تقع، هي الأخرى، ضمن سياق تستقل به عن "أسباب النزول" التي رويت في شأنها، وهو سياق تشريعي واحد وطويل يبدأ بقوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" (المائدة 87)، يلي ذلك ما يتعلق بالأيْمان (جمع يمين) والكفارة الواجبة فيها، ثم الحكم على الخمر والميسر والأنصاب والأزلام بأنها "رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ" يجب اجتنابه، خصوصاً والخمر والميسر يبعثان على الشجار والعداوة والبغضاء ويصرفان عن الصلاة، يلي ذلك "لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا" (المائدة 93). وهذا استثناء يخص من شرِبها من المسلمين قبل تحريمها. وهذا النوع من الاستثناء يعم جميع الأحكام التي وردت في السياق العام الذي تندرج تحته آية تحريم الخمر والذي يبدأ من الآية 87 إلى آخر السورة (آية 120)، ويشتمل على عدة أحكام نتبين في كل حكم منها جانبين: الأول التحليل أو التحريم أو ما في معناهما، والثاني استثناء أو استدراك وتوضيح، تماماً كما هو الحال في الخمر: تحريمها ثم مباشرة بيان حكم من كان يشربها من المؤمنين ومات قبل التحريم، الشيء الذي لا يدع مجالاً للبس ولا يترك زماناً لردود فعل ولا لطرح أسئلة من النوع الذي ذكرته روايات "أسباب النزول". إن هذا السياق الذي حددناه كإطار للآية التي أمرت باجتناب الخمر والميسر والأزلام ... الخ، والذي قلنا إنه يبدأ بالآية 87، أي بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ"، وينتهي مع انتهاء السورة، يدل على أن المسلمين، أو بعضهم، كانوا يحرمون على أنفسهم "الطيبات" كالزينة ولذات الأكل والشرب والجماع مما لم يحرمه الله. وهذا يدل على أن آيات تحريم الخمر جزء من كل، وبالتالي فما حكي من روايات كـ"أسباب لنزولها" لا تستقيم معها. يبقى بعد ذلك تحديد فائدة روايات أسباب النزول عموماً. "

انتهى المقال

ويتضح منه أن عمدة الكاتب في الكلام على مرويات سبب النزول بناء على السياق القرآني للآي، وأن الحكم بسبب نزول قطع للآية عن سياقها، فهل يُسلم للكاتب فيما يقال؟ وما الجواب - بارك الله فيكم -؟

نقلته للاستفادة من كلام أهل العلم بالمنتدى تعليقاً على هذا المقال لا اتباعاً لرأي الكاتب ولا إعجاباً به، ولم أذكر كاتب المقال ومصدره كي يكون النقد موضوعياً دون النظر إلى كاتب المقال.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير