ـ[مهدي المشولي]ــــــــ[25 May 2009, 04:04 م]ـ
... وهذه الاستفادة ممن سبق في التأليف لا يخرج عنها علم من العلوم، لكن قد يحصل تهذيب وتطوير لتلك المسائل ذلك العلم المنقول منه ليتناسب مع مادة العلم المنقول إليه.
وإذا كانت بعض أنواع العلوم تكون مشتركةً بين العلوم، فلا يقال: إنها أصل في هذا العلم، وهي دخيلة على هذا العلم؛ كما هو الحال في ملاحظة بعض العلماء أن علم المنطق دخيل على علم أصول الفقه ....
2 ـ هل أضاف ما يحتاجه إليه علمه أو لا؟ ...
وإنا إذ أطرح هذه الفكرة بإيجاز؛ أحب أن ألفت نظر إخواني إلى هذه المسألة، وهي تداخل معلومات العلوم فيما بينها، متى تتفق في العلمين، ومتى تتمايز عن بعضهما، وكيف يمكننا أن نخلص من هذا التداخل بالتعرف على ما نحتاج في هذا العلم وذاك، وما لا نحتاج لكي نًلمَّ بأصول كلِّ علم، ويكون عندنا القدرة على الاستيعاب.
حفظكم الله شيخنا الفاضل ونفع بكم وبارك فيكم،
ما شاء الله فوائد نفسية أسأل الله أن ينفعنا بكم وبعلمكم،
وبعد، فهناك أمور:
الأول: ذكر الزركشي (794هـ) كلاماً ماتعاً في بداية كتابه الأصولي "البحر المحيط"،
ذكره في معرض رده على من قال إن علم الأصول مأخوذ من غيره فلا حاجة إليه وفيه إشارة إلى ما ذكرتم شيخنا من حصول التهذيب والتطوير للمسائل المنقولة من فن إلى فن.
وكذلك أشار إلى قولكم فيمن أخذ من علم آخر: هل أضاف ما يحتاجه إليه علمه؟ فقد ذكر ما أضافه الأصوليون في المباحث النحوية واللغوية.
فما أشرتم إليه حفظكم الله يبدو أنه قد حصل فيه كلام قديم وأن بعض من يمارس فناً إذا رأى مسائل في فن آخر تشبه مسائل فنه قد يتوهم أو يقول إن هذا مأخوذ من فني مع أنه لو نظر ودقق قد يجد فروقاً.
وسأسوق كلام الزركشي هنا لنفاسته قال رحمه الله:
" .... فإن قيل هل أصول الفقه إلا نبذ جمعت من علوم متفرقة نبذة من النحو كالكلام على معاني الحروف التي يحتاج الفقيه إليها والكلام في الاستثناء وعود الضمير للبعض وعطف الخاص على العام ونحوه ونبذة من علم الكلام كالكلام في الحسن والقبح وكون الحكم قديما والكلام على إثبات النسخ وعلى الأفعال ونحوه ونبذة من اللغة كالكلام في موضوع الأمر والنهي وصيغ العموم والمجمل والمبين والمطلق والمقيد ونبذة من علم الحديث كالكلام في الأخبار فالعارف بهذه العلوم لا يحتاج إلى أصول الفقه في شيء من ذلك وغير العارف بها لا يغنيه أصول الفقه في الإحاطة بها فلم يبق من أصول الفقه إلا الكلام في الإجماع والقياس والتعارض والاجتهاد وبعض الكلام في الإجماع من أصول الدين أيضا وبعض الكلام في القياس والتعارض مما يستقل به الفقيه ففائدة أصول الفقه بالذات حينئذ قليلة؛
فالجواب منع ذلك فإن الأصوليين دققوا النظر في فهم أشياء من كلام العرب لم تصل إليها النحاة ولا اللغويون فإن كلام العرب متسع والنظر فيه متشعب فكتب اللغة تضبط الألفاظ ومعانيها الظاهرة دون المعاني الدقيقة التي تحتاج إلى نظر الأصولي باستقراء زائد على استقراء اللغوي مثاله دلالة صيغة افعل على الوجوب ولا تفعل على التحريم وكون كل وأخواتها للعموم ونحوه مما نص هذا السؤال على كونه من اللغة لو فتشت لم تجد فيها شيئا من ذلك غالبا وكذلك في كتب النحاة في الاستثناء من أن الإخراج قبل الحكم أو بعده وغير ذلك من الدقائق التي تعرض لها الأصوليون وأخذوها من كلام العرب باستقراء خاص وأدلة خاصة لا تقتضيها صناعة النحو وسيمر بك منه في هذا الكتاب العجب العجاب"
الثاني: سعت الشيخ محمد عمر بازمول مرةً ذكر أنه بحث بحثا يتعلق بطريقة أو خصائص تناول العلوم أو قريب من هذا العنوان لأني فهمت الفكرة ولكني لم أضبط العنوان، وفهمت أنه يريد أن أصحاب الفنون يختلفون في تناول الموضوع الواحد حسب ما يقتضيه فنهم قال ولو لم يكن كذلك لم يكن لأخذهم لها ودراستها في فنهم فائدة،
وذكر أن دراسة مباحث النحو في علوم القرآن ينبغي أن تدرس بناء على تقرير أصحاب علوم القرآن،
وقد مثل بحروف العطف فلها في القرآن أحكام خاصة غير ما عند النحاة قال: مثلاً الواو في القرآن تقتضي الترتيب وفي اللغة لا تقتضيه.
كذلك إذا أتيت إلى مباحث السنة في الأصول فلا تدرسه على نظرة المحدثين فلكل أصحاب فن نظرة.
وذكر الشيخ بازمول أيضاً:أن شيخ الإسلام أشار إلى هذا في مقدمة أصول التفسير لما ذكر أن بعض المفسرين قد يصحح قول ابن عباس أو ابن مسعود وإن كان ضعيفاً لشهرته عند تلاميذه ولكونه روي عنهم ذلك - فهذا تصحيح للمعنى - وقد ذكر الشيخ بازمول أن أحكام المحدث ينظر فيها إلى المعنى وإلى النسبة بخلاف الأصولي فينظر إلى المعنى.
هذا الذي فهمتُ من كلام الشيخ وإن شاء الله أكون أصبت الفهم لأني لم أطلع على بحثه وإنما سمته ذكره وذكر الأفكار السابقة في محاضرة في الجامعة الإسلامية بتاريخ2/ 4/1429هـ وعنوان المحاضرة: "اختلاف القراآت وأثره في التفسير" فمن عنده عن البحث علم عن طبعه أو وجوده فليفدنا.
الثالث: قولكم حفظكم الله:" كما هو الحال في ملاحظة بعض العلماء أن علم المنطق دخيل على علم أصول الفقه" جزاكم الله خيراً، علم المنطق كما تعلمون متقدم على أصول الفقه لأنه علم يوناني وإنما ترجم في عهد المأمون،
فهل اعتبار هؤلاء العلماء له دخيلاً لعدم الفائدة من إدخاله في علم الأصول أو لأمر آخر وكما تعلمون أن الأصوليين هم الآخذون من المناطقة،
وقد سبق كلام الزركشي لما قال:"ونبذة من علم الكلام كالكلام في الحسن والقبح وكون الحكم قديما والكلام على إثبات النسخ وعلى الأفعال ونحوه"
ففيه أن الأصوليين أخذو من المناطقة.
وأشار أبو زرعة العراقي أيضاً أن الأصوليين أخذوا من المناطقة لما ذكر الدلالات وهل يشترط في اللزوم أن يكون ذهنياً قال:" بل هو - أي الأصولي - كالمنطقي في ذلك وعنه تلقى هذه الدلالات والله أعلم" كما في الغيث الهامع شرح جمع الجوامع (1/ 114).
جزاكم الله خيراً ونفع بكم