تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ فنهى الله تعالى عن البغي في هذه الآية وحرمه، وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وقيده بغير الحق، وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وهذا هو الثالث.

حذر أيضا من الشرك بالله وأدخله في دائرة التحريم، وأن من مات على الشرك بالله فإنه من أهل النار، قال تعالى: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ أي: ومات على الشرك فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ودخل في هذه الكلمة وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ كل أنواع الشرك صغيرها وكبيرها، فكلها محرمة حرمها الله تعالى، وختم هذا التحريم بأعظم محرم حرمه الله وهو القول على الله بلا علم، الذي هو الكذب والافتراء واختلاق الكلام، ولأن أيضا، فما هو أعظم إذا الشرك بالله أو القول على الله بلا علم؟

القول كما قال أهل العلم؛ لأن الشرك بالله هو فرد من أفراد القول على الله بلا علم؛ لأن الشرك أيضا هو كذب، الشرك هو نسبة شيء إلى الله ما لا يجوز، وهو داخل في أنواع الكذب، والقول على الله بلا علم أعم أعم من ذلك فقال تعالى: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ الإنسان لا يقول شيئا في أحكام الشريعة أو في القرآن والسنة إلا وهو يعلم، ومن تكلم أو أفتى الناس بما لا يعلم فهو داخل في هذا الوعيد الشديد، وقد تشبه بالمشركين الذين يقولون على الله ما لا يعلمون، قال الله تعالى: وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ قال تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ وقال تعالى: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ فهؤلاء كلهم داخلون في الوعيد، قال تعالى في سورة البقرة أيضا: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ هذا في حق المشركين، فالشاهد وأن هذه الآية أيها الإخوة فيها بيان عقوبات مغلظة ومحرمات كبيرة على الإنسان أن يتأملها.

وكما قال أهل العلم: هذه الآية جمعت أصول المحرمات، والإنسان لا يقول في دين الله إلا بما يعلم ولا يجوز أن يفتي الناس بما يخالف الكتاب أو السنة أو ما عليه إجماع الأئمة؛ لأن هذا من المشاقة في ما عليه أهل الإسلام، وقد قال تعالى: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى يقول أنا سوف أخالف إجماع الأمة وأفتي بهذه المسألة بين الناس، هو إما أن يريد أن يضل الناس أو يريد أن يشتهر بين الناس، وأن يعلم باسمه وأنه فلان، وهذا ربما يكون داخلا في مثل هذا الوعيد الشديد وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ.

وفي الحديثين التاليين أيضا تحذير شديد في تفسير القرآن بغير علم، وأن الإنسان المسلم لا يقول في القرآن برأيه، وإنما يقول بما علمه وأنه الحق الموافق لما في الكتاب وفي السنة.

ويحسن بنا أيضا أن نبين في هذا المقام على وجه السرعة التفسير وأنه على نوعين: تفسير بالمأثور، وتفسير بالرأي.

فالتفسير بالمأثور: هو الذي يعتمد على المنقول الصحيح من تفسير القرآن بالقرآن أو تفسير القرآن بالسنة أو تفسير القرآن بأقوال الصحابة أو تفسير القرآن بأقوال التابعين، هذا هو القسم الأول من التفسير، فهذا التفسير يدور على الرواية والنقل، وهذا هو الذي يجب اتباعه والأخذ به؛ لأنه الطريق الصحيح الذي فيه النجاة، وهو آمن سبيل للحفظ من الزيغ والزلل في كتاب الله تعالى والتفسير.

القسم الثاني: التفسير بالرأي، وهو قسمان أيضا: قسم مذموم وقسم ممدوح:

فأما القسم المذموم: الذي يعتمد فيه المفسر على فهمه الخاص واستنباطه بالرأي المجرد الذي لا يستند على أصول شرعية، فهذا ولا شك مدعاة للشطط والوقوع في الزيغ والضلل والضلال، وقد قال الله تعالى: وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا وهذا المعنى هو المقصود في الحديث الذي هو التفسير بالرأي المذموم، هذا الذي جاء النهي عنه في الحديثين من قال في القرآن برأيه - وفي رواية من غير علم - فليتبوأ مقعده من النار وفي الحديث الآخر قال: من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ أي: أنه كان لا يتحرى الصواب يقول قولا ووافق الصواب، فلم يجتهد في الصواب الصحيح، وإنما وافق مع الأخطاء التي وقع فيها وافق الصواب أيضا، وهذا داخل في الآية السابقة، وهو في القول على الله بلا علم.

والنوع الثاني: وهو التفسير بالرأي الممدوح، وهو ما يستند على أصول شرعية وضوابط علمية، ذكر أهل العلم منها: صحة الاعتقاد، والتجرد عن الهوى، والعلم بالعلوم الأخرى المساندة، والعلم باللغة العربية، وأن يسعى في طلب التفسير من طرقه وضوابطه الصحيحة، هذا تفسير ممدوح؛ ولهذا جمع بين التفسير بالرأي الممدوح والتفسير بالأثر أئمة من العلماء؛ منهم الطبري، ومنهم ابن كثير، ومنهم البغوي، هؤلاء جمعوا بين الأمرين بين النقل وبين بين الأثر والرأي الرأي الصحيح.

أما بعض التفاسير فإنها سلكت مسلك الرأي المذموم؛ كتفاسير المعتزلة، وتفاسير الرافضة، وبعض تفاسير الأشاعرة، تفسير الزمخشري تفسير معتزلي فيه ضلالات كثيرة، وإن كان فيه معاني كبيرة من اللغة لكنه سلك مسلك الرأي المذموم، وهذا القول على الله تعالى بلا علم في القرآن الكريم داخل في هذا الوعيد الشديد، نعم. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

من شرح فضائل القرآن.

للشيخ:محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى.

شرح: د. عبد الله بن عبد الرحمن الشثري.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير