تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي هذه البدايةِ الكريمةِ بَثُّ الطُّمأنينةِ في القلْبِ الْمُعَبَّرِ عنها بالْحَمْدِ؛ عُنوانِ الرِّضَا والسعادةِ والإقرارِ للهِ بالرُّبوبيَّةِ، ثم الإيمانِ بالبعْثِ والإقرارِ للهِ بِمِلْكِ يومِ الدِّينِ، ثم الالتزامِ بالعِبادةِ للهِ وَحْدَه والالتجاءِ إليه مُستعيناً به، مُستهدياً الصراطَ المستقيمَ، سائلاً صُحْبَةَ الذين أَنْعَمَ عليهم.

ثم يأتي بعدَها مباشَرَةً في أوَّلِ سُورَةِ البَقرةِ: {ذَلِكَ الكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]؛ أي: إنَّ الْهُدَى الذي تَنْشُدُه إلى الصراطِ المستقيمِ فهو في هذا الكتابِ لا رَيْبَ فيه، ثم بَيَّنَ الْمُتَّقِينَ الذينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عليهم بقولِه: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 3 - 4].

ومَرَّةً أُخْرَى للتأكيدِ أولئكَ لا سِوَاهُم على هُدًى مِن رَبِّكَ وأولئكَ هم الْمُفْلِحُونَ.

ثم تَتَرَسَّلُ السُّورَةُ في تقسيمِ الناسِ إلى الأقسامِ الثلاثةِ: مؤمنينَ وكافرينَ ومُذَبْذَبِينَ بينَ بينَ، وهم الْمُنافِقونَ.

ثم يأتي النداءُ الصريحُ، وهو أوَّلُ نداءٍ في الْمُصْحَفِ لعُمومِ الناسِ: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21] ويُقيمُ البراهينَ على استحقاقِه للعِبادةِ، وعلى إمكانِ البَعْثِ بقولِه: {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشاً وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلاَ تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 21 - 22].

وبعدَ تقريرِ الأصْلِ، وهي العقيدةُ، تَمْضِي السُّورَةُ في ذِكْرِ فُروعِ الإسلامِ، فتَشْتَمِلُ على أركانِ الإسلامِ كلِّها وعلى كثيرٍ مِن مَسائلِ الْمُعَامَلاتِ والْجِهادِ، وقَلَّ بابٌ مِن أبوابِ الفِقْهِ إلاَّ وله ذِكْرٌ في هذه السُّورَةِ، ويأتي ما بعدَها مُبَيِّناً لِمَا أُجْمِلَ فيها أو لِمَا يُذْكَرُ ضِمْنَها، وهكذا حتى يَنْتَهِيَ القرآنُ بكَمَالِ الشريعةِ وتَمَامِ الدِّينِ.

ولِمَا جاءَ في وَصْفِ الْمُتَّقِينَ الْمُهْتَدِينَ في أوَّلِ الْمُصْحَفِ أنهم يُؤْمِنُونَ بالغَيْبِ، ومنه الإيمانُ باليومِ الآخِرِ وما فيه مِن حِسابٍ وعِقابٍ وثوابٍ، أمورُ الغَيْبِ تَستلزِمُ اليَقينَ لتَرَتُّبِ الجزاءِ عليه ثَواباً أو عِقَاباً.

والثوابُ والعقابُ هما نَتيجةُ الفِعْلِ والترْكِ.

والفعْلُ والتَّرْكُ: هما مَنَاطُ التكليفِ؛ لأنَّ الإنسانَ يَمْتَثِلُ الأمْرَ رَجاءَ الثوابِ، ويَكُفُّ عن مُتَعَلِّقِ النهْيِ مَخَافَةَ العِقابِ.

فلَكَأَنَّ نَسَقَ الْمُصْحَفِ الشريفِ يُشيرُ إلى ضَرورةِ ما يَجِبُ الانتباهُ إليه، مِن أنَّ القرآنَ بَدَأَ بالْحَمْدِ ثَناءً على اللَّهِ بما أَنْعَمَ على الإنسانِ بإنزالِه، وإرسالِ الرسولِ صاحبِه به، ثم نَقَلَه مِن عالَمِ الدنيا إلى عالَمِ الآخِرَةِ، وهو الأَعْظَمُ قَدْراً وخَطَراً، ثم رَسَمَ له الطريقَ الذي سَلَكَه الْمُهْتَدُونَ أهْلُ الإنعامِ والرِّضَا، ثم أَوْقَفَه عليه ليَسْلُكَ سبيلَهم.

وهكذا إلى أنْ جاءَ به بعْدَ كمالِ البيانِ والإرشادِ والْهِدايةِ، جاءَ به إلى نِهايةِ هذا الصراطِ المستقيمِ، فاسْتَوْقَفَهُ ليقولَ له: إذا اطْمَأْنَنْتَ لهذا الدِّينِ، وآمَنْتَ باللَّهِ ربِّ العالَمِينَ، واعْتَقَدْتَ مَجِيءَ يَوْمِ الدِّينِ، وعَرَفْتَ طريقَ الْمُهْتَدينَ، ورأيتَ أقسامَ الناسِ الثلاثَةَ: مُؤمنينَ وكافرينَ ومُنافقينَ، ونِهايةَ كلٍّ منهم، فالْزَمْ هذا الكتابَ وسِرْ على هذا الصراطِ، ورَافِقْ أهلَ الإنعامِ، وجانِبِ المغضوبَ عليهم والضالِّينَ، واحْذَرْ مِن مَسْلَكِ المنافقينَ الْمُتَشَكِّكِينَ، وحاذِرْ كُلَّ الْحَذَرِ مِن مُوجِبِ ذلك كلِّه، وهو الوَسْوَاسُ الْخَنَّاسُ، أنْ يُشَكِّكَ في مُتَعَلَّقَاتِ الإيمانِ أو في استواءِ طَرِيقِكَ واستقامتِه، أو في عِصْمَةِ كتابِكَ وكمالِه، وكُنْ على يَقينٍ مِمَّا أنتَ عليه، ولا تَنْسَ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير