تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ثانياً: ومن أغراض التكرير تجزئة الأفكار المراد بيانها حول موضع واحد، لتتكامل النصوص فيما بينها مؤدية غرض التأكيد لأصل الفكرة، ومؤدية جوانب بلاغية رفيعة هي من عناصر الإعجاز القرآني. ومن أمثلة ذلك ما يلي:

المثال الأول:

يقول الله تعالى في سورة (الأعراف / 7مصحف / 39نزول):

{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا}

ويقول الله تعالى في (سورة الزمر / 39مصحف / 59نزول):

{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا ... (6)}

هاتان آيتان مكيتان، وقد نزلت آية (الأعراف) أولاً، ويُلاحظ أن فيها زيادة يسان غاية السكن من خلق الزوجة، أما آية (الزمر) ففيها زيادة بيان أن النفس الواحدة الأولى، وهي آدم ـ عليه السلام ـ، قد مرت عليه مدة بعد خلقه كان فيها وحيداً، قبل أن يخلق الله منه زوجه، بدليل أن العطف فيها قد جاء بحرف (ثم) الذي يدل على التراخي بخلاف آية (الأعراف) فالعطف فيها بحرف (الواو) الدال على مطلق الجمع كما يقول النحاة

* * *

المثال الثاني:

أنزل الله في أوائل العهد المدني قوله في سورة (البقرة / 2مصحف /87نزول):

{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (225)}

ثم أنزل في أواخر العهد المدني قوله في سورة (المائدة /5مصحف / 112نزول):

{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ (89)}

هاتان آيتان مدنياتان، أما آية البقرة منهما، فقد دلت على فكرة كسب القلب، وهو قصد الحالف أن يخلف اليمين، لا أن تجري اليمين على لسانه وهو لايقصد الحلف ولا يريده، وأما آية (المائدة) فقد دلت على فكرة ربط اليمين ربطاً مجزوماً به {عقدتم الأيمان}

إن فكرة (كسب القلوب) قد تشمل ما دون الإرادة الجازمة، من الخاطرة والرغبة والهم، ولكن هذه من الأمور التي عفا الله عنها، فاحتاج نص (كسب القلوب) إلى بيان يكشف المراد، فأنزل الله المائدة وهي من أواخر ما نزل من السور {ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان}

فتكامل النصان على بيان الحكم المراد.

* * *

ثالثاً: ومن أغراض التكرير حكاية الواقع المكرر، سواء أكان ذلك فيما حدث في الماضي، أوفيما سيحدث في المستقبل، ومن أمثلة ذلك ما يلي:

المثال الأول:

أنزل الله في العهد المكي قوله في سورة (ص/ 38 مصحف / 38نزول)

{فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (72)}

ثم أنزل الله في العهد المكي أيضاً قوله في سورة (الحجر / 15مصحف / 54نزول):

{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28) فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29)}

ولدى التأمل يظهر لنا احتمال قوي نرجحه، وهو أن الله تبارك وتعالى قد قال قولين للملائكة في زمنين.

فالمرة الأولى: حينما كان آدم في مرحلة الطين، والقول هو ما جاء في (سورة ص).

والمرة الثانية: حينما كان آدم في مرحلة الحمأ المسنون (أي المصور) أو في مرحلة جفاف الطينة التي اسودت وتغيرت رائحتها وصورت، فكانت بعد جفافها صلصالاً كالفخار، والقول هو ما جاء في سورة (الحجر)

* * *

المثال الثاني:

أنزل الله في العهد المكي قوله في سورة (الأنعام / 6 مصحف / 55نزول):

{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (27) بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (28)}

ثم أنزل الله في العهد المكي قوله في سورة (المؤمنون / 23مصحف / 74نزول):

{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير