تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

المعاصرين)، وذكر كتاب الأستاذ أحمد أمين: (زعماء الإصلاح في العصر الحديث) - وقد أراد تكملته والتذييل عليه؛ إذ اقتصر أحمد أمين على عشرة منهم، ابتدأهم بالإمام محمد بن عبد الوهاب، وختمهم بالإمام محمد عبده، ولخص الدكتور البيومي مقالة الدكتور أحمد أمين في هؤلاء - ثم قال عند ذكر محمد عبده: " ويختم المؤلف كتابه بالحديث عن الأستاذ الإمام محمد عبده - رحمه الله تعالى - فيُفيض في تعداد مآثره إفاضة صادقة، ويفسح له من مؤلفه الحافل أطيب مكان، ومحمد عبده جدير بكل ما يساق إليه من ثناء، فهو أظهَرُ هؤلاء جميعًا جهادًا في حَوْمة الفكر الإسلامي، وأبرزُهم في حَلْبة الصراع بين الثقافة الإسلامية والثقافة الغربية؛ إذ ترك من الآراء، وخلَّف من التلاميذ مَن حمل الراية، وسار في طريقه، فأكمل الشوط مهتديًا بنبراسه. وقد لاحظتُ وأنا أتحدث عمن تلا جيل الرواد من مصلحين أن أكثرهم قد انتفع بمحمد عبده، وسار على هديه أكثر مما انتفع بزملائه الذين خصهم أحمد أمين بالحديث. ومردُّ ذلك إلى مقامه الجهير في الإصلاح من ناحية، وكثرة تلاميذه المقتدين به من ناحية ثانية؛ إذ أتيح له أن يقود الصفوة من نوابغ عصره قيادة فكرية ساطعة " (النهضة الإسلامية 1/ 36 - 37).

هل تأذن لنا أيها الأستاذ أن نتوقف، ونقول: إن الإمام محمدًا عبده لم يقصد إلى أن تُطَّرَح كتب المتأخرين مما كان يُعلّم في الأزهر جملة، وألا ينتفع بها بإطلاق، ولم يقصد أنها خالية من العلم لا خير فيها، وما أظن هذا الفهم هو المتبادر إلى الذهن من تلك الدعوة، إنما كان الحديث في تعليم المبتدئين، وتلقين المتعلمين، ولم يُرِد الإمام أيضًا أن يذهب هؤلاء المبتدئون إلى كتابي عبد القاهر وكتب المتقدمين في العلوم بغير تمهيد وتأسيس، ودليل ذلك أن صاحبه البرقوقي اعتنى بالتلخيص للقزويني، وشرَحه ونشَره، وهو واسطة بين كتابي عبد القاهر وما يمكن أن يُلّقَّنَه الشادون مما يناسبهم، ويناسب زمانهم.

وهأنت هذا - أيها الشيخ الإمام - تُقرُّ أن تلك الكتب جرَت في أساليبها على ما يناسب الأزمنة التي وُضعت فيها، فهل من جُناح علينا أن نضع لأزمنتنا ما يناسبها، ويناسب أهلها؟ فإني وجدتك تقول: " ثم خلف من بعد عبد القاهر أيمة من الخلَف اتَّبعوه وزادوا عليه، وأرادوا أن يقعِّدوا قواعد علم البلاغة، فشقُّوا لأنفسهم في زمانهم، ثم لنا من بعدهم طريقًا جديدًا يلاقي طريقه من وجه، ويخالفه من وجه آخر. كان ذلك اجتهادًا منهم أحسنوا فيه غاية الإحسان، وأساؤوا بعض الإساءة " (أسرار البلاغة 3)، ووجدتك تقول: " فوجدت أنه (الشيخ رشيد) قد ظلم السعد ظلمًا بينًا؛ لأن الرجل كان يكتب لأهل زمانه وما ألِفوا من العبارة عن علمهم " (أسرار البلاغة 17).

فإذا كنت ترى أنه لا قدرة للمبتدئ على الخوض في كتب المتقدمين لصعوبتها - وما صعوبتها إلا لأنها ألِّفت لزمان غير زماننا - وترى أن كتب المتأخرين جرَت على أساليب زمانها، فما بالنا نحن وحدَنا أهلَ هذه العصور لا نراعي الزمن، ولا نجري في شؤوننا معه، ولا نعرف له حقَّه!!

وهل ذنب الأستاذ محمد عبده أنه رأى في كتابي عبد القاهر بلاغةً غير البلاغة، وبيانًا غير البيان، وعلمًا غير العلم؛ إذ كانا معدِن هذا الفن، وكان مؤلِّفُهما أديبًا ذا بيان وبراعة، فأراد أن يعرِّف الناس بفضله وفضل كتابيه، فصحَّحهما، وأقرأهما، وحرَّض أصحابه على قراءتهما، وعلى نشرهما؟!! وما أظن أحدًا فهم من عمله أنهما يكونان مادة لتعليم الطالب الذي لم يتمكن من النحو والصرف، ولم يتقن المبادئ والأصول.

وهل كان تعريفه بهذين الكتابين وتنويهه بشأنهما في ذلك الزمن ذنبًا يؤاخذ به، أم فضلاً يُحمَد عليه؟! كيف وقد قرأهما الشيخ شاكر أول الأمر في نشرة السيد محمد رشيد رضا لهما، ولَمَّا نشرَهما جعل نشرة السيد رشيد أصلاً استعان به، وبنى عليه؟!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير