تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وفي الناس ناسٌ لا يسلم السيد محمد رشيد رضا نفسه عندهم من قدح ومذمة، وما نال الأستاذَ الإمام ناله بسببه وبغير سببه، وما من حيلة لك مع امرئ لا يرضى عنك، ولا يُقرُّ لك بفضل، ولا يرعى لك حرمة، إلا أن توافقه في كل شيء، وتكون نسخة منه، وتجري على هواه، وتقول بقوله، وتنطق بألفاظه، وتقصد إلى أغراضه، وإلا كنت ما شاء هو أن ينسبك إليه من بدعة أو ضلال وما فوقهما وما دونهما. والله قد خلق الناس مختلفين، ومنحهم عقولاً ليفكروا بها، وطبعهم على طبائع لا يطيقون الانسلاخ منها، وقسَم بينهم حظوظًا من العلم ومن الفهم، فيختلفون في الرأي، وليس حتمًا أن يتعادى المختلفون، ولا أن يتدابروا أو يتقاطعوا.

فدعك من هذا إذًا إن لم تجد فيه مَقْنَعًا ولا غَناء، وانظر في رأي عالم جليل، وإمام كبير، وأحد جهابذة السنة النبوية، وأحد أئمة الفقه، وأحد أعلام الأدب في هذا العصر، إنه أبو الأشبال أحمد محمد شاكر أخو محمود، رفيق أَمِّه، ورضيع لِبان أُمِّه، وأحد أشياخ علمه، فله في الأستاذ الإمام محمد عبده رأي يخالف رأي أخيه الذي أذاعه بأخَرَة.

يقول في مقالة له سنة 1349=1931 بعنوان: (تفسير القرآن الحكيم): " ولقد كان المتقدمون يُعنَوْن في أكثر أمرهم بتفسير القرآن بما ورد من أحاديث مرفوعة، وآثار موقوفة، وباستنباط أحكام الفقه منه، تعليمًا للناس كيف يفهمون، وكيف يصلون إلى الاجتهاد. ثم ترك المتأخرون ذلك، ولم يكن من همهم إلا الإطالة في أبحاث لفظية لا جدوى لها، ولا فائدة إلا في النادر والشذوذ، حتى إن كتب التفسير التي بقيت مشتهرة فيهم، وكثيرة بين أيديهم، لا يطمئن الباحث المحقق إلى فهم معنى آية منها، ولا إلى استنباط حكم، بل ولا إلى الثقة بالنقل، فقد ملأ بعضهم تفسيره بقصص مكذوبة مفتراة، وبأحاديث موضوعة، من غير تحرٍّ في الرواية، ولا استعمال لموهبة العقل السليم " (جمهرة مقالاته 1/ 174).

وأقف هنا قبل أن أتمم النقل لأسأل: هل يُتهم الشيخ أحمد شاكر بقوله هذا بأنه مُغْرٍ بالاستهانة بالتراث وازدرائه، وداعٍ إلى إسقاطه بمرة، والاستغناء عنه جملة؟ هل يصح أن يفهم ذلك؟ لا، بلا شك، ونحو هذا ما كان يقوله الأستاذ الإمام محمد عبده.

ثم يقول الشيخ أحمد شاكر - رحمه الله -: " ولقد قيض الله للإسلام إمامًا من أئمته، وعلَمًا من أعلام الهدى، وهو الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده - رحمه الله - فأرشد الأمة الإسلامية إلى الاستمساك بهدي كتابها، ودلَّها على الطريق القويم في فهمه وتفسيره، وكان منارًا يُهتدى به في هذا السبيل، وألقى في الأزهر دروسًا عالية في التفسير، وكان فيما أظن يرمي بذلك إلى أن يسترشد علماء الأزهر بذلك، فينهجوا نهجه، ويسيروا على رسمه، ولكنهم لم يأبهوا به إلا قليلاً، ولم ينتفع بما سمع منه إلا أفراد أفذاذ، وبقي دهماؤهم على ما كانوا عليه. ونبغ من تلاميذه والمستفيدين منه ابنه وخريجه أستاذنا العلامة الجليل السيد محمد رشيد رضا صاحب المنار، فلخص للناس دروس الأستاذ الإمام، وزادها وضوحًا وبيانًا، ونشرها في مجلته الزاهرة المنيرة، وجمعها في أجزاء على أجزاء القرآن الكريم، ومضى لطَيَّته بعد انتقال الإمام إلى جوار ربه، فكأنه أُلهم روحَه، لم يكِلَّ ولم يضعف ... فكان تفسير أستاذنا الجليل خير تفسير طبع على الإطلاق، ولا أستثني، فإنه هو التفسير الأوحد الذي يبين للناس أوجه الاهتداء بهدي القرآن على النحو الصحيح الواضح؛ إذ هو كتاب هداية عامة للبشر، لا يترك شيئًا من الدقائق التي تخفى على كثير من العلماء والمفسرين. ثم هو يُظهر الناسَ على الأحكام التي تؤخذ من الكتاب والسنة غير مقلد ولا متعصب بل على سَنَن العلماء السابقين، كتاب الله وسنة رسوله. ولقد أوتي الأستاذ من الاطلاع على السنة ومعرفة عللها، وتمييز الصحيح من الضعيف منها - ما جعله حجة وثقة في هذا المقام، وأرشده إلى فهم القرآن حق فهمه. ثم لا تجد مسألة من المسائل العمرانية أو الآيات الكونية إلا وأبان حكمة الله فيها، وأرشد إلى الموعظة بها، وكبَت الملحدين والمعترضين بأسرارها، وأعلن حجة الله على الناس. فهو يسهب في إزالة كل شبهة تعرض للباحث من أبناء هذا العصر ممن اطلعوا على أقوال الماديين وطُعُونهم

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير