تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

العدة الأصولية واستثمارها في علم أصول التفسير؛ إذ يقدم منهجية لاستخدام البحث الدلالي تقوم على «الإحصاء والاختبار» المعروف بعملية «السبر» في مباحث القياس الأصولي. فالدراسة إذاً تستثمر عدداً من البحوث الأصولية في مبحث واحد لمدِّه على مستوى النص القرآني الكريم كله، وفي أهم القضايا خطورةً: تاريخية النصوص القرآنية، وعبر دراسة أثر أسباب النزول في البيان. لكن لا يبدو أن الدراسة استطاعت تحقيق تطوير ملموس لقواعد الأصول في دراسة القرآن، فكانت نزعتها تقليدية بعض الشيء.

لقد تداخلت في تركيب علم الأصول علوم عديدة، تضايفت «لتكوِّن رؤية شمولية صار البحث الدلالي نتاجاً لها،» وبناءً على ذلك فقد تناولوا «ظواهر لغوية على مستوى التركيب الجملي وعلى مستوى جداول الاختيار كالترادف والمشترك اللفظي والتضاد والغموض والدلالة حول المفاهيم؛ كالخاص والعام، كما كانت هناك أشياء أخرى صوتية وصرفية ونحوية وسيميولوجية إشارية غطّت معالجتهم لها حقولاً من البحث تسعى الدلالية الحديثة اليوم إلى تغطيتها.» وقد درس علم الأصول فضلاً عن ذلك دلالة الخطاب تفسيراً للنص أو تأويلاً له، ودرس بحوثاً يشترك فيها مع العلوم الدينية الأخرى، وإن كان من زاويته الخاصة. هذا كلّه بالإضافة إلى أن علم أصول الفقه درس بحوثاً لم يتناولها علم غيره؛ ذلك أن الدلالة في مؤلفات الأصوليين تدرك مستوىً عجيباً من الإحاطة والشمول، وقدرةً فائقةً على الإشراف من على الدلالة إشراف المسيطر على المادة، الواعي بتفصيلاتها وهياكلها، المنظّر لها تنظيراً واعياً، كل هذا يبرر لنا اعتماد منظور «علم الأصول» ومباحثه منطلقاً لدراسة القرآن وتطوير أدوات ومناهج البحث فيه.

خاتمة:

استهدفت هذه الدراسة الموجزة الكشف عن الفراغ في تقعيد علم أصول التفسير، عبر دراسة تاريخ التقعيد، وحاولت تفهم المبررات التاريخية التي أدت إلى حصول هذا الفراغ، وتأسيساً على منظور التلقي (استقبال الدلالة) الذي تفترض الدراسة أنه يحكم العملية التفسيرية، وجد الباحث أن علم أصول الفقه باعتباره العلم العربي الوحيد القائم على تلقي الدلالة اللغوية وتأويلها، فهو بالتالي أكثر العلوم أهليةً ليكون أساساً لتكوين علم أصول التفسير، وذلك على الرغم من تحفُّظ بعض المعنيين بالدراسات القرآنية من استثمار علم الأصول -ذي النزعة الفقهية- على المجال القرآني الرحب. ويدرك الباحث أيضاً أن تحرير الأصول من الدائرة الفقهية وتوسيع أفقه ليشمل كل موضوعات القرآن وأشكال خطابه أمر ممكن، وإن كان ذلك لا يعني أن بنية أصول الفقه نفسها خالصة من الإشكالات وبعيدة عن النقد، إلا أن كل ذلك لا يعني إهدار الثروة اللسانية الثاوية في علم الأصول والتي لا يقدرها حق قدرها اليوم إلا من عرف الدراسات اللسانية الحديثة ( Linguistics)، كما أن استثمارها في تقعيد أصول التفسير جزء من البناء على إنجازات التراث العلمية.

وقد استعرضت الدراسة منظور أصول الفقه مقارناً بمنظور علم النحو، لتصل عبر هذه المقارنة إلى تأكيد أهمية أصول الفقه بالنسبة لتأسيس أصول التفسير، وتتبعت الدراسة -تأسيساً على ذلك- تلك الدراسات التي حاولت اعتماد أصول الفقه أساساً لعلم التفسير، وتبين أنها عموماً لم تستثمر عِلْمَ أصول الفقه على نحو يوسع أفقه، ليكون بإمكانه شمول النص القرآني، بل تعاملت مع قواعده بوصفها مسلمات، وإن كنا نستثني أحداً فنحن نستثني المعلِّم عبد الحميد الفراهي الذي حاول تطوير قواعد أصولية، بل الإضافة عليها لتكون قواعد للتأويل.

وقد أماطت الدراسة اللثام الفراغ التقعيدي في أصول التفسير ولم تنظر إلى أصول الفقه على أنه كاف (ولو مع التطوير والتحوير) وحده لتأسيس هذا العلم، بل إن الدراسة حاولت فقط التوجيه إلى نقطة يمكن بها إحداث تراكم في عملية التقعيد هذه، ويؤمن الباحث بضرورة استثمار كل مباحث التأويل والدلالة في الدراسات العربية الحديثة وعلومها التقليدية، كما يؤمن بشكل خاص بأهمية الدرس اللساني الغربي الحديث ومناهج النقد الأدبي واستراتيجيات القراءة المتأثرة به في تطوير البحث الدلالي التفسيري، ولكن مع ملاحظة دائمة لخصائص النص القرآني بوصفه نصاً ذا وظيفة دينية وتنزيل إلهي؛ إذ بدون هذه الملاحظة قد ندخل في متاهات لا تحمد عقباها.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير