- يقول ابن عثيمين عن هذه الآية: (هي في سورة التوبة، وهي متأخرة مدنية، وقصة أبي طالب مكية، وهذا يدل على تأخر النهي عن الاستغفار للمشركين، ولهذا استأذن النبي صلى الله عليه وسلم للاستغفار لأمه وهو ذاهب للعمرة، ولا يمكن أن يستأذن بعد نزول النهي؛ فدل على تأخر الآية، وليس المعنى أنها نزلت في ذلك الوقت)
في سورة الحجرات:
ذهب بعض العلماء إلى أن قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى) مكي استنادا على أن الخطاب فيه كان بـ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ)، وذلك فيه نظر للآتي:
- السور المدنية قد يأتي فيها الخطاب بـ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) وقد وقع مثل ذلك في نحو سبع آيات مدنية.
- هذه السورة كلها مدنية نزلت بعد الهجرة باتفاق أهل التفسير
- القول بأنها مكية قول شاذ ولا يعرف قائله
- إن صح ما أورده الواحدي فإن نزول الآية بمكة يوم الفتح بعد الهجرة لا يخرجها من القرآن المدني، ولكن نزولها يوم الفتح نفسه فيه نظر؛ إذ جاء في سنن الترمذي وصحيح ابن حبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تلا هذه الآية تلاوة في خطبته يوم الفتح واستشهد بها استشهادا مما يدل على أن هذه الآية نزلت قبل ذلك؛ وعلى ذلك فليس هنالك من دليل على نزولها في ذلك اليوم.
- أقرب أسباب نزول هذه الآية إلى الصحة ما جاء في مراسيل أبي داود من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بني بياضة أن يزوجوا أبا هند امرأة منهم، فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نزوج بناتنا موالينا؟! فأنزل الله عز وجل هذه الآية وبنو بياضة بطن من الأنصار لا من أهل مكة، وحرة بني بياضة تبعد نحو ميل من المدينة.
في سورة المجادلة:
ذهب السيوطي إلى أن سورة المجادلة استثني منها (مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ) وقد حكى ذلك ابن الغرس وغيره وهذا القول في أصله هو قول محمد بن السائب الكلبي ولم يستدل الكلبي على ذلك بشيء ثم إن الكلبي في نفسه مجروح لا يعتد بقوله، وملاحظ أن هذه الآية شديدة الارتباط بما قبلها وما بعدها ولو انفصمت من السياق لاختل النظم؛ قال تعالى (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلَا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ)
سورة المزمل:
ذهب السيوطي إلى أن سورة المزمل استثني منها: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ ...... ) إلى آخر السورة وقد نقل السيوطي ذلك من ابن الغرس ويؤيد قول ابن الغرس ما رواه الطبراني في مسند الشاميين عن ابن عباس أنه نزل قوله: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة نسختها هذه الآية (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ) لكن ذلك فيه نظر للآتي:
- الطريف أن السيوطي الذي أورد مسألة مدنية هذه الآية قد رد بنفسه على ذلك فقال (ويرده ما أخرجه الحاكم عن عائشة أنه نزل بعد نزول صدر السورة بسنة؛ وذلك حين فرض قيام الليل في أول الإسلام)
- لعل هنالك خلطا قد حدث؛ إذ ورد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان يقوم الليل في رمضان بالمدينة فاجتمع إليه الناس فصلى بهم ثم أبى ذلك وقال (خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا عنها) كما روى مسلم وابن حبان وابن خزيمة وهذه الرواية لا تتعرض لنزول تلك الآيات،وقد روى النسائي وأبو يعلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل بالمدينة كما ذكرت عائشة، وقد ظل قيام الليل فرضا للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة لم ينسخ؛ وإن كان قد نسخ بالنسبة لأمته أو صار مندوبا كما ذكر العلماء أي أن المسلمين لما أرادوا الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك نهاهم وتؤيد تلك الآية بطبيعة الحال هذا النهي ولكن ذلك لا يعني أنها نزلت عند هذا النهي.
¥