تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الشيخ الحصري وهو صغير في السن، وصوته نحيلٌ حادٌّ، كما تشعر به بعد أن علت سنه، وصوته غليظ ممتلئ.

فإذا ما نظرنا إلى الفن التطريبي في تلاوة الشيخ الحصري فسنجد أن له خصائص:

• الدقة الأدائية:

فهو أوَّلاً يقدم الدقة الأدائية في حقيقة الصوت (أي الحرف بمعنى ما)، وصفته، ومقدار زمنه، على كل مقتضيات الفن التطريبي. وكل القراء المتقنين يفعلون ذلك، ولا يقع الإخلال بأحكام القراءة إلا على سبيل الندور في الحفلات، فيُتجاوز عن إطالة مَدَّة أو نحوها لتكميل بناء الجملة اللحنية استجابة للتفاعل مع جمهور " السمّيعة ". أما الشيخ الحصري - رحمه الله! - فما كان في ظني يتهاون في ذلك في حال من الأحوال.

والتزام القارئ بمعايير التجويد القرآني يزيده عبئًا، ويقيِّده بقيد ثقيل، ويحصره في مجال ذي حدود، فلا يبدع في التطريب القرآني إلا أصحاب الموهبة الصوتية أولاً، والدُّرْبة المتمرسة ثانيًا، والنفَس الطويل ثالثًا؛ لأن وقفاته وابتداءاته مضبوطة بقوانين، فإذا قيَّد نفسه بقراءة غير التي نشأ عليها وحفظها في الصغر، كان هذا قيدًا آخر، وشيئًا يشبه لزوم ما لا يلزم في الفن القولي الشعري والنثري.

وبذلك يكون القراء في ذروة الخبرة في التطريب الشرقي، ولا غرو أن حكوا أن بعض الملحنين كان يستشير بعض المشايخ في خيارات إقفال بعض الجمل اللحنية، وأن كان بعض كبار الموسيقيين بدؤوا حياتهم قراء للقرآن الكريم، وما خبر سيد درويش ثم سيد مكاوي ببعيد.

• الصنعة الخفيفة:

ثم إن الشيخ الحصري لا يقصد إلى التفنن والتنويع قصدًا، ولكنه يترك ذلك للأحوال، فيقرأ بما يؤديه إليه الموقف المؤلَّف من زمان ومكان وحالة نفسية وآيات مقروءة، فيطرِّب بما يشعر به حينَها بلا إعداد أو تهيئة أو تخطيط سابق، ولكن يقرأ بسجيته وطبعه، فيقرأ بما سميته في بعض ما كتبت قديمًا: " الصنعة الخفيفة "، وهي لا شك معتمدة على طبع جيد.

والفن الأصيل هو ما يغلب فيه الطبعُ الصنعةَ، وكلاهما لا بد منه، ولكن غلبة الصنعة تؤدي إلى التكلُّف، والتكلُّف مذموم؛ لأنه يضاد السهولة واليسر، ولا تفلح الصنعة في كل حين، ولا تُعجب في كل حال.

وهذا يؤدي إلى انطباع الفن التطريبي بجمل لحنية قليلة، وقَفَلات معروفة معتادة، ومقامات مطروقة، وهذا لا يعيب القارئ خصوصًا؛ لأن فن التغني في عمله ما هو إلا وسيلة إلى إيصال أحسن الحديث، وأشرف الكلام، إلى الأسماع، فجلال مادة فنه - وهو القرآن الكريم - تُغنيه عن التوسع في التنويعات اللحنية.

ولهذا كان أكابر القراء معروفين بجمل ومقامات وقفَلات طبعت تلاوتهم، كالشيخ رفعت والشيخ المنشاوي والشيخ البنا والشيخ الطبلاوي والشيخ عبد الباسط في آخر أمره، لما استقرَّ فنُّه، وعُرف قدرُ صوته، وسجَّل خَتَماتِه، وأما في أول أمره فكان متفنِّنًا في الحفلات أيما تفنُّن.

وقد خرج عن هذا الوصف الشيخ مصطفى إسماعيل، فكان من أسلوبه في التطريب غزارة الألوان وتنوعها إلى حد المفاجأة، وهذا عوَّض ما في صوته من حشرجة وشيخوخة واضحتين، فكان بحق ممسكًا بزمام التطريب يصرِّفه كيف يشاء.

ولا شك أن القراءة في الحفلات بحضور جمهور متذوق متفاعل يوحي إلى القارئ بفنون وطُبُوع وطبقات ما كان له أن يصل إليها لو كان منعزلاً في حجرة التسجيل " الاستوديو ". ولذلك كان تعمد بعض القنوات الفضائية الخاصة بإذاعة تلاوة القرآن الكريم حذف أصوات المستمعين، وتفاعلهم مع القارئ - تشويهًا للصورة، ونقصًا لأحد عناصرها الْمُعينة على الدخول في جو الفن التعبيري في التلاوة.

• قلة التغيير:

ومن خصائص فن الشيخ الحصري في التطريب: قلة التغيير، حتى إنه ربما قرأ في النوبة الواحدة بمقام واحد، وبطبقة واحدة، بما تحتمله بطبيعة الحال من تنويعات وقفلات، وإذا وصل إلى طبقة الاستقرار لا ينزل منها إلى القرار غالبًا إلا في الختم، إذ يرجع إلى المقام والطبقة اللتين بدأ بهما، لا كما يفعله كثير من القراء بالاستراحة، وإمرار بعض الجمل والآيات بصوت خفيض في طبقة القرار. وله رأي أيضًا في عدم جواز القراءة بأكثر من رواية في الجلسة الواحدة. فهو مُفْرِدٌ روايةً ومقامًا وطبقةً.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير