[تلوين كلمات القرءان بين المنهج العلمي والحكم الشرعي (2)]
ـ[أبو عبد التواب]ــــــــ[24 Jun 2009, 10:56 ص]ـ
[تلوين كلمات القرءان بين المنهج العلمي والحكم الشرعي (2)]
تكلمنا في الحلقة الأولى عن النوع الأول من أنواع التلوينات الملحقة بكتاب الله، وفي هذا اللقاء نتكلم عن النوع الثاني. وهو الابتكار الذي تفردت به دار الفكر بدمشق، وهو يتعلق بتلوين بعض أسماء الله الحسنى، وعنونوا لكتاب الله بما يلي: "وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا القرآن العظيم ملون الأسماء الحسنى"، والكلام عليه من وجوه:
أولها: إن المصحف عليه مآخذ عدة؛ سواء من حيث نوع الخط ووضوحه، أو من حيث عدم الالتزام بأصول الرسم القرآني، أو من حيث الدقة في إعجام الحروف وضبطها بالحركات. وقد سجلت كل ذلك، والحمد لله أولا وآخرا.
ثانيا: ليس هناك ما يدعوا إلى هذا التلوين ـ كما بينا سابقا ـ، والقارئ لما كتبه قسم الدراسات بالدار "دار الفكر" عن هذا العمل ودوافعه لا يصل إلى أية نتيجة، فإنهم بعد أن بينوا أن أسماء الله غير محصورة في التسعة والتسعين كما جاء في الحديث، قالوا: "لذلك وفي عملنا في نسخة المصحف هذه التزمنا هذه الأسماء التسعة والتسعين المشهورة، فقمنا بتمييزها بلونين مختلفين فوضعنا لفظة الجلالة (الله) بلون أحمر، وبقية الأسماء بلون أخضر، وذلك خدمة لكتاب الله في تحسين رسمه وصورة إخراجه، وتوظيف اللون للفت انتباه القارئ إلى جوانب خاصة ذات معان جليلة، مما يليق بهذا الكتاب العظيم، والله من وراء القصد، والحمد لله رب العالمين". وبعد هذا كتبوا أسماء الله الحسنى الواردة في حديث أبي هريرة، الذي أخرجه الترمذي، ونقلوا أن الحاكم صححه في المستدرك، وأن النووي حسنه في الأذكار.
فمن خلال هذا التوضيح يتبين أن الهدف من هذا العمل هو "خدمة لكتاب الله في تحسين رسمه وصورة إخراجه، وتوظيف اللون للفت انتباه القارئ إلى جوانب خاصة ذات معان جليلة، مما يليق بهذا الكتاب العظيم". بهذا عبروا عن الدافع لهذا العمل الذي لم يسبقهم إليه أحد. وحرموا على أي أحد أن يقلدهم فيه.
وأقول: أما من حيث تحريمهم (منعهم) على الغير التقليد فلهم الحق في ذلك، وأنا معهم في تحريم تقليد الغير لهم، وسأدافع عن هذا الحكم ـ أي: الحكم بالتحريم ـ حتى لا ينتشر في وسط المسلمين، وحتى لا يصير كتاب الله ألعوبة بين يدي الناشرين، فبالأمس لونوا كلمة الله و الإله و الرب و هو، واليوم لونوا بعضا من أسماء الله الحسنى، وغدا يلونون أسماء الجنة بلون وأسماء النار بلون آخر، وبعد غد يميزون صفات أهل الخير بلون وصفات أهل الشر بلون آخر، والكل يقول: فعلت هذا "خدمة لكتاب الله في تحسين رسمه وصورة إخراجه، وتوظيف اللون للفت انتباه القارئ إلى جوانب خاصة ذات معان جليلة، مما يليق بهذا الكتاب العظيم"!!!.
ثالثا: إنهم قد سبقوا إلى هذا العمل بما يزيد عن ثمانية قرون، فقد اطلعت على صورة من مصحف السلطان ابن أبي حمو سلطان تلمسان 8001 هـ وهو محفوظ بدار الوثائق بالرباط وفيه لونت أسماء الله، ولكنهم لم يفرقوا بين أسماء الله كما فعل أصحاب دار الفكر.
وبه يبطل قولهم أن لديهم الأسبقية، ومع هذا فأنا على عهدي بأنني سأقف معهم في منع التقليد لعملهم.
رابعا: إذا كان الدافع لتمييز أسماء الله الحسنى عن غيرها من كلمات القرآن هو "خدمة كتاب الله في تحسين رسمه وصورة إخراجه، وتوظيف اللون للفت انتباه القارئ إلى جوانب خاصة ذات معان جليلة، مما يليق بهذا الكتاب العظيم" فإنه يحتم عليهم تلوين كل الأسماء، سواء الوارد ذكرها في الحديث وغير الوارد منها فيه؛ لأن الموضوع كتاب الله وليس الحديث، ثم إن ما يلفت إليه اسم "السميع" في قوله: وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي إِنَّه سَمِيعٌ قَرِيبٌ [سبأ: 50]، يلفت إليه اسم القريب الوارد في الآية نفسها. وكذلك في قوله: يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير [الروم: 54]. فلماذا نميز بين الاسمين الواردين في نفس الآية، فيكتب الأول من الاسمين في الآيتين بالأخضر، والثاني منهما بالأسود!!!
¥