تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[إظهار الإفك والبهتان في ادعاء أخطاء في إملاء القرآن لإيهاب كمال أحمد]

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[01 Jan 2010, 08:43 م]ـ

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خيرِ خَلْق الله أجمعين، وعلى آله وصحبه الأخيار الطاهرين.

وبعد:

فإنَّ بعضَ المفترين من المنصِّرين وغيرهم يزعم أنَّ القرآن الكريم يشتمل على أخطاء إملائية، محاولين بذلك التشكيكَ في صحته وحُجِّيته، ويضربون أمثلةً على تلك الأخطاء المزعومة منها: كلمة (رحمة) التي كتبت في القرآن (رحمت)، وكلمة (الصلاة) التي كتبت في القرآن (الصلوة).

وقبل الشروع في الردِّ على هذه الفِرية يجب أن نوضِّح: أنَّ القرآن الكريم كان محفوظًا في صدور القراء والحفَّاظ، كما كان مدوَّنًا في الصحائف ونحوها منذ زمن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم جمعه أبو بكر - رضي الله عنه - بين دفَّتَين في المصحف، ثم حَدَث الجمع الثالث في عهد عثمان - رضي الله عنه - على حرْف واحد.

وهكذا استمر تداول القرآن محفوظًا بطريقين هما:

الأول: حفظ الصدور: حيث لم يخل أيُّ زمان من جموع غفيرة من حَفَظة القرآن، من رجال وشيوخ ونساء وأطفال، ومن العَرَب والعَجم، وممن يعرف القراءةَ من المكتوب، ومن لا يعرفها، وهؤلاء الحفَّاظ كانوا منتشرين في كثير من البلدان والأمصار، وتناقلوا القرآنَ بينهم جيلاً عن جيل بالمشافهة، وبشكل متواتر [1]، وهذا هو الطريق الرئيس في نقْل القرآن.

الثاني: حفظ السطور؛ أي: حفظه مكتوبًا، وقد بلغتِ الدقة والعناية بكتابة المصحف ورسمه الذروةَ في جميع العصور والبلدان الإسلامية.

والمقصود برسْم المصحف: أن يُكتب موافقًا للمصطلح الإملائي الذي اتُّبع قي كتابة المصحف الإمام في عهد عثمان بن عفَّان - رضي الله عنه - وصار محلَّ إجماع الصحابة والعلماء في القرون الثلاثة المفضَّلة وما بعدها.

أما قول القائل: إنَّ مخالفة هذا الرسم للقواعد الإملائية المعاصرة يُعدُّ مطعنًا في القرآن أو خطأ فيه، فهو ادِّعاء باطل، وافتراء مردود، ويمكن إجمال الردِّ في النقاط الآتية:

أولاً: طريقة وأسلوب الكتابة التي كان يَكتُب بها الصحابة والتابعون ليستْ هي نفسَ الطريقة التي نكتب بها في عصرنا، فقواعد الإملاء والكتابة مختلفة، ومَن اطَّلع على المخطوطات القديمة يعلم الفرْقَ بين الطريقتين، فمن الجهل أن نحاكم الرسمَ القرآني لقواعدَ إملائيَّةٍ وكتابيَّة نشأتْ بعده.

ثانيًا: القواعد الإملائية عمومًا ليست وحيًا منزلاً، ولا حقائق علمية لا تقبل الخلاف، وإنما هي من الأمور الاصطلاحية [2] التي اتَّفق عليها العلماء، بقَصْد أن تكون وسيلةً تساعدهم في تناقُل العلم وغيره من أوجه النشاط الحضاري، ولَمَّا كان الرسم الإملائي أمرًا اصطلاحيًّا، فيجوز أن يقع فيه اختلاف بين العلماء، كما يجوز أن يكون عُرضةً للتغيير والتطوير على مرِّ العصور بحسب ما تقتضي الحاجة والمصلحة.

حتى في عصْرنا هذا يوجد اختلافٌ بين المدارس الإملائية المعاصرة في طريقة رسْم عدد غير قليل من الكلمات، مثل: "مسئول" و"مسؤول"، و"رؤوف" و"رءوف"، "قرآن" و"قرءان"، و"داوود" و"داود"، و"مائة" و"مئة" ... وهذا الاختلاف غير مؤثِّر، ولا إشكال فيه؛ لأنَّه اصطلاح واتِّفاق بين المختصين على قواعدَ معينة.

ثالثًا: رسْم المصحف - على الراجح من أقوال العلماء - ليس توقيفيًّا، ولم يُتلقَّ بوحي من الله - تعالى - وإنما كُتب على نحو ما اتفق واصطلح الناس عليه في ذلك الوقت، والأمور التي يتفق عليها الناس لا مُشاحةَ فيها ولا منازعة، ولا يُنكَر فيها على أحد إذا حصل بها المقصود، وأدَّتْ الغرض من إيجادها.

رابعًا: لو أننا افترضْنا - من باب الجدل والتنزُّل مع الخصم - أنَّ اختلاف طريقة كتابة القرآن الكريم عن الطريقة المعاصرة في الكتابة يعدُّ عيبًا ونقصًا، فإنَّ هذا العيب والنقص لا يكون في القرآن الكريم نفسه؛ لخروج طريقة الكتابة عن حقيقة القرآن؛ لأنَّ القرآن لم ينزل مكتوبًا، وإنما نزل متلوًّا مقروءًا.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير