[الإمام المتولي والضاد]
ـ[محمد خليل الزروق]ــــــــ[15 Jun 2009, 01:37 ص]ـ
من أعجب الآراء التي قرأتها في شأن النطق المحدَث للضاد رأي الإمام المتولي (-1313)، فله رسالة في هذا ختمها بتلخيص رأيه في نظم، ولهذا الرأي دلالات مهمة. قال في نظمه:
الضاد من وسْط اللسان يُلفَظُ * به، كما عن الخليل يُحْفَظُ
يقول: شَجْري، أي كجيمِ الشينِ يا * والشَّجْرُ: مَفْتَحُ الفمِ، احْفَظْ مُثْنِيَا
فكان رابعَ الثلاثِ الخاليهْ * وصحَّ أن يُعْزَى لوسْطٍ كَهِيَهْ
وإنَّ نُطْقَ أهلِ مصرنا على * وِفاقه، فلْنَحْمَدِ الله عَلا
يقول: نطق أهل مصر يوافق القول المنسوب إلى الخليل: إنها شَجْرية، فهي من وسط اللسان مثل الجيم والشين والياء، ويحمد الله أن هذا النطق له سند في رأي عالم كبير هو الخليل.
والقول المنسوب إلى الخليل جاء في كتاب العين، والريبة في نسبة كتاب العين إلى الخليل مشهورة، والقدح فيه معلوم، وقد ذم ابن جني وصف الحروف فيه.
على أنه قد اختُلف في معنى أن الضاد شجرية، ويحتمل أن يكون معناه أنها من الحافة مما يلي الوسط. وأيضًا لم يشتهر أن للضاد طريقتين عن العرب: أن تكون من حافة اللسان، وأن تكون من وسطه، حتى يكون هذا من نقْل سيبويه، وهذا من نقل الخليل، ويكون نطق أهل مصر على طريقة الخليل.
بقي أن يفسر الإمام نطقها شديدة يحبس الصوت عندها، وقد أطبق العلماء على أنها رخوة. ومِثْلُ هذا لا يَغْفُل عنه الإمام المتولي - عليه رحمة الله! - فتخلّص منه برأي بيّنه في نظمه، قال:
والصوت يجري في الحروف الرِّخوةِ * وليس يجري معْ حروف الشِّدَّةِ
كما بنَشْر الحافظ ابن الجزري * إمامِنا قدوةِ أهل العصر
وشيخُ لاِسلامِ يقولُ: النَّفَسُ * لكنَّ قولَ الجزريِّ الأنْفَسُ
وهْو الموافقُ لأهل مصر * في نطقهم بالضاد دون نُكْرِ
يريد أن للرخاوة والشدة تعريفين، الأول أن الرخاوة جريان الصوت، والشدة عدم جريانه، والآخر أن الرخاوة جريان النفَس، والشدة عدم جريانه.
والتعبير بالصوت في كلام سيبويه، ومكي، والداني، وابن الجزري، والتعبير بالنفَس في كلام المبرد، وكلام شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، قال: " وسميت حروفها شديدة لمنعها النفَس أن يجري معها لقوتها في مخارجها. والرخاوة لغة اللين، سميت حروفها رخوة لجريان النفَس معها "، وهذا ما عناه بقوله: " وشيخ لاسلام يقول: النفَسُ ".
والحق أن الصوت والنفَس متلازمان، يجريان معًا، أو يُحبسان معًا (ولبيان هذا مناسبة أخرى).
لكن المهم هنا دلالة رأي الإمام المتولي هذا، فهو يدل على:
1 - أنه يقرّ بمخالفة نطق أهل مصر على أيامه للوصف المعروف لمخرج الضاد، وهو أنها من حافة اللسان.
2 - وأنه يقر أن نطقهم لها لا يجري معه النفَس.
3 - وأنه لم يقل: إن النطق الحديث لها يوافق وصف العلماء لها من لدن سيبويه إلى ابن الجزري، كما يذهب إليه الكثيرون.
4 - وأنه اجتهد بعلم، ولم يغمض عينيه عن مخالفة الواقع للوصف كما يفعله الكثيرون.
5 - وأن رأيه يشبه تخلص بعض القراء اليوم من محنة هذه المخالفة بنطقها من وسط اللسان.
6 - وأن سبب هذا النطق الحديث هو الفرار من مشابهة الضاد للظاء في السمع، استدراكًا على أصل اللغة الذي يتشابه فيه الحرفان تشابهًا جعل العلماء يصنفون عشرات الكتب في الفرق بينهما، ولو كانا غير متشابهين ما فعلوا ذلك.
للفقير إلى الله بحث منشور: الضاد موصوفة ومنطوقة، مؤسسة العلياء، القاهرة، 2007.