تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الميم عند الباء]

ـ[محمد خليل الزروق]ــــــــ[08 Jul 2009, 08:31 م]ـ

[الميم عند الباء]

بسم الله الرحمن الرحيم

هذه ورقة نشرت من قبل في الملتقى في صيغة الوررد، وأعدت فيها النظر بالتنقيح والتصحيح.

1

مصطلح إخفاء الميم مفقود عند المتقدمين

لم يعبر سيبويه بالإخفاء إلا في حالتين: إخفاء النون، وإخفاء الحركة، وهو الاختلاس (الكتاب 2/ 415 و407 بولاق). فمصطلح الإخفاء في الحروف خاص بالنون، وأحد أسباب الخلل في فهم حكم ملاقاة الميم الباء جعلُ الإخفاء حكمًا عامًّا شاملاً النون والميم.

وأكد هذا الذي يفيده كتاب سيبويه الإمام الداني (-444)، فحصر الإخفاء في نوعين - وذلك في أول كتابه في التجويد حيث بيَّن المصطلحات - فقال: " وأما الْمُخْفَى فعلى نوعين: إخفاء الحركات، وإخفاء النون والتنوين " (التحديد 100).

ولم يذكر سيبويه وأهل العربية من بعده من أحكام الميم إلا أنها تدغم في ميم مثلها، وقال الخاقاني (-325) - وهو صاحب أقدم نظم في التجويد - جاريًا على مذهب أهل العربية:

ولا تُدْغِمَنَّ الميمَ إن جئتَ بعدَها * بحرف سواها، واقبل العلم بالشكر

ولم يذكر من أحكامها غير هذا.

وعلى هذا جرى كلام مكي بن أبي طالب (-437) صاحب أقدم كتاب مفصَّل مفرد للتجويد، قال: " فإذا سكَنَت الميم وجب أن يُتحفظ بإظهارها ساكنة عند لقائها باءً أو فاءً أو واوًا " (الرعاية 232)، ولا فرق بين أن تكون الميم أصلاً وأن تكون منقلبة عن نون، نحو: (أنبئهم).

2

دخول مصطلح إخفاء الميم إلى علوم القراءة

فمن أين جاءت تسمية حال لقائها الباء بالإخفاء إذًا؟

الجواب: هي من استعمال الفراء (-207) - وهو كوفي - إذ سمى قلب النون ميمًا عند الباء إخفاء، وسمى مرة الإدغام إخفاء، ونقل عنه ذلك السيرافي (انظر كتاب الإدغام من شرح الكتاب للسيرافي ص 342، تح الدكتور سيف العريفي). والقدماء يتجوَّزن في التعبير، فأخذ بعبارته من يأخذ بمذهب الكوفيين من القراء، وابتداء ذلك من ابن مجاهد (-324)، استعمل الإخفاء في الميم الأصيلة.

وهذا الذي ذكرت من مبدأ استعمال الإخفاء في الميم دلنا عليه أبو الحسن علي بن أحمد بن الباذِش (-528) فيما نقل عنه ابنه أبو جعفر أحمد بن علي (-540) في كتاب الإقناع، ورأيه هذا مفصَّل، وفيه احتجاج يطول، وأكتفي منه بهذا النص الدال، قال: " و [أما] ما ذُكر عن الفراء من إخفاء النون عند الباء فوجه ذلك أنه سمى الإبدال إخفاء، كما سمى الإدغام في موضع آخر من كتابه إخفاء، فيرجع الخلاف إلى العبارة لا إلى المعنى؛ إذ الإخفاء الصحيح لم يستعمله أحد من المتقدمين والمتأخرين في تلاوة، ولا حكوه في لغة. وكذلك ما ذُكر عن ابن مجاهد في إخفاء الميم عند الباء قولٌ مُتجَوَّز به على سيبويه، فعلَّق مذهب الفراء على عبارة سيبويه " (الإقناع 1/ 182).

وعلى هذا الفهم من المتأخرين القَيْجاطي (-811)، قال: " فإذا نُطق به (أي الميم) ساكنًا فهو مُظهرٌ أبدًا، لا يجوز إخفاؤه ولا إدغامه إلا في مثله " (شرح الدرر اللوامع للمِنْتُوري 2/ 859).

وبهذا يصح ما ذكره مُلاَّ القاري (-1014) من أنه اشتهر عند العامة أن أحرف (بوف) تظهر الميم عندها (المنح الفكرية 44).

3

الاختلاف في حكم الميم عند الباء اختلاف عبارة

وقول ابن الباذش مع ما يفيده في تنقُّل هذا المصطلح - يفيد أن الاختلاف المحكي عن القراء في حال الميم عند الباء اختلاف عبارة، لا اختلاف نطق. وقد حكاه الداني بلفظ بيِّن لا لبس فيه، فقال: " فإذا التقت الميم بالباء نحو: (آمنتم به) ... فعلماؤنا مختلفون في العبارة عنها معها " (التحديد 166)، فانظر إلى قوله: مختلفون في العبارة، أي لا في اللفظ.

فيكون القول بأنهم مختلفون في اللفظ فهمًا غير صحيح لما أرادوه، كما هو ظاهر نظم السخاوي (-643) المسمى: عمدة المفيد، ونظم ابن الجزري (-833) المسمى: المقدمة، ونظم الطِّيبي (-979) المسمى: المفيد.

والفرق بين المذهبين عندهم أن المخفاة مبيَّنة الغنة، والمظهرة ليست كذلك. والصحيح أن النطق واحد عند الجميع، وهو بيان الغنة، ولكنهم اختلفوا في التسمية.

وإذا كان الصواب أن الميم الساكنة مظهرة عند الباء فما هذه الغنة المبيَّنة في ذلك؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير