تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[كيف نتعامل مع القراءات القرآنية لعبد الحليم بن محمد الهادي قابة]

ـ[عبدالرحمن الشهري]ــــــــ[18 Dec 2009, 06:14 م]ـ

كيف نتعامل مع القراءات القرآنية

للباحث الجزائري عبد الحليم بن محمد الهادي قابة

مدخل:

لا يخفى على المسلم وهو يتعامل مع القرآن الكريم ويتلوه ويتدبّره، أنَّ للقرآن قراءاتٍ بديعةً نزلت من السماء يؤدّى بها اللفظُ الواحد، فيتنوع اللفظ، وتتعدد نبراتُ الأصوات به؛ بل تتعدد به المعاني الربانية، وتتضح بها الأحكام الشرعية، فكان تعدد القراءات بذلك بمنزلة تعدد الآيات مع انسجام عجيب وتكامل غريب واتساق فاتن وتحقق بها كمال الإعجاز مع جمال الإيجاز.

وما زال الله يتحدى الإنس والجن على أن يأتوا بمثله أو بعشر سُور من مثله أو بسورة من مثله، وسيظلّ هذا التحدي قائماً حتى قيام الساعة لكي لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.

ـ كما لا يخفى أيضاً أن الله تكفل بحفظ كتابه بنفسه، فحُفظ على وجه التمام والكمال بآياته وكلماته، وبحروفه وحركاته، بل بطريقة أدائه ومختلف قراءاته.

ووصلنا كما أنزله الله ونقل الخَلَفُ عن السلف كيفية النطق بكلماته وأداء آياته كما سُمعت من رسول الله (ص) الذي سمعها ـ بدوره ـ من جبريل ـ عليه السلام ـ عن رب العزة سبحانه وتعالى.

كما لا يخفى ـ أيضاً ـ أنه ما كتاب خُدم وتفرعت من خدمته علوم شتى مثل القرآن، حتى لا يكاد يُستطاع حصر ما كتب عنه وعن علومه.

وإن من هذه العلوم علم القراءات الذي عُني بنقل القرآن وكيفيات أداء كلماته وآياته كما سيأتي معنا بيانه، وهو علم عظيم سنمهِّدُ ببعض ما يتعلق به قبل أن نصل إلى ما نريد من بيان كيف يتعامل المسلم مع تنوع القراءات التي حُفظت معه، ويخشى من سوء الفقه لها أو سوء التعامل معها أن يوصل إلى سوء الأدب مع الله أو سوء الظن به والعياذ بالله.

لذلك خصصت هذه الصفحات لجمع مع ذكره أهل العلم مما يصلح أن يدرج تحت هذا العنوان مع شيء من التحقيق والتدقيق والزيادة والإفادة جرأنا عليه ما أكرمنا الله به من الاهتمام بهذا العلم رواية ودراية مما نرجو أن يقبله الله منا وأن يبارك لنا وللأمة فيه.

تعريف علم القراءات:

عرفه ابن الجزري (1) بقوله: (علم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها معزوّاً لناقله) (2).

وعرفه ساجقلي زادة (3) بقوله: (هو علم مذاهب الأئمة في قراءات نظم القرآن) (4).

وعرفه الزركشي (5) بقوله: (القراءات اختلاف ألفاظ الوحي في كتابة الحروف أو كيفيّتها من تخفيف وتثقيل وغيرها) (6).

وهناك تعريفاتٌ كثيرة قديماً وحديثاً بعضها دقيق وصحيح وبعضها لأهل العلم عليه اعتراضات، ولكنها جميعاً تجتمع على أن علم القراءات هو:

(العلم باختيارات الناقلين لكتاب الله عز وجل مما رووا عن رسول الله (ص) في كيفيات أداء الكلمات القرآنية اتفاقاً واختلافاً) (7).

وهو التعريف الذي يوصل إليه النظر في مجموع التعريفات وإخضاعها للموازين العلمية والشروط المنطقية المشترطة في الحدود والتعريفات (8).

نشأته وتطوره:

ـ الصواب الذي لا يصح غيره أن علم القراءات بدأت مادته الأولى مع نزول القرآن على قلب رسول الله (ص) وتبليغه إياه للناس متلوّاً مرتلاً كما أراد الله على أكمل أداء وهو أداء رسول الله (9) (ص).

ـ وتأكدت برخصة الأحرف السبعة وظهور عدة وجوه ولغات في الكلمة الواحدة والتركيب الواحد (10).

ـ وتميزت بظهور ملازمة بعض الصحابة هذه الأحرف والوجوه، إما لأنه لم يتلق غيرها، وإما لأنه اختارها من مجموع ما سمعه من مصدرها بناء على أن من قرأ بحرف منه فقد أصاب (11) وكانت هذه الملازمة سبباً في نسبة بعض الوجوه إلى بعض الصحابة دون بعض كما قيل: حرف أبيّ، وحرف ابن مسعود وهكذا (12).

وانتشرت على نطاق واسع بإقراء الصحابة بعضهم بعضاً وإقراء التابعين ثم انتشارهم في الآفاق لإقراء الأمم وقيادتهم بالقرآن (13).

ـ ثم تسلسلت عملية الإقراء وتعليم القرآن بقراءاته أو أحرفه النازلة والمحفوظة التي لم تنسخ، حتى كثر القرّاء كثرةً لا حصر لها، ابتداءً من عصر التابعين، فكتب الله أن يبدأ منذئذ تميز بعض الأئمة الأتقياء، الذين اجتمعت عليهم كلمة الأمة، وارتضت اختياراتِهم، وتلقوا عنهم القرآن غضّاً طريّاً كما أنزل (14).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير