[الإجازات القرآنية وشروطها: رؤية جديدة مهمة]
ـ[أحمد النبوي]ــــــــ[05 May 2010, 05:53 م]ـ
الإجازات القرآنية وشروطها
نشأت فكرة الإجازات القرآنية اشتقاقاً من منظومة الرواية التي اعتمد نقل الدين الإسلامي عليها، إذ نقلتِ الروايةُ لأهلِ الحديثِ الشريفِ سنةَ الحبيبِ المصطفى صلى الله عليه وسلم، ولأصحابِ الفقهِ مدارسَهُم ومذاهبَهُم، وكذا لأصحابِ التفسيرِ أسبابَ النزولِ والناسخَ والمنسوخَ والآثارَ المرويةَ عن الصحابةِ والتابعينَ في تفسيرِ القرآنِ الكريمِ، ونقلت للأمة كتاب ربها.
والإجازةُ شهادةٌ: بأن فلاناً قد أُجيزَ بعلم ما، مسنَدَاً كان هذا العلمُ أم غير مسندٍ، أعني سواءٌ أكانَ منقولاً عن عالم آخر أو من بطون الكتب أو من جامعة أو مدرسة أو دورة أو من بُنَيَّاتِ أفكارِ الباحثِ أو العَالِمِ نفسِه، قد تكون الإجازة في علوم الآلة أوفي العلوم الشرعية الرئيسة.
أما السند: فهو تسميةٌ مُسَلْسَلَةٌ تُسْرَدُ ضمنها أسماءُ منْ حُملَ عنهم هذا العلمُ المُسنَدُ، فالسندُ قد يصاحبُ الإجازة، وقد لا يصاحبها سندٌ فتبقى مجردَ شهادة.
والإجازة أصلاً مستجدةٌ محدثةٌ: فالصحابةُ لم يحملوا القرآنَ الكريمَ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بإجازة، ولا حملهُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم عن جبريلَ عليه السلامُ بإجازة، وغاية ما ابتُدعت له الإجازة أن يُثبتَ فيها السندُ بعدما طالتْ سِلسِلَتُهُ توثيقاً لهذا النقل، لكن لو قرأ القرآنَ الكريمَ أحدٌ على أحدٍ جاز له الرواية عنه دون إذنه، أو سمع أحدٌ القرآنَ مِنْ أحدٍ جاز له الرواية عنه دون إذنه، لكنَّ الإذنَ بالروايةِ أعلى لاشتماله على الرضا والإذنِ أولاً؛ ثم على الإقرار بصحة ما يُروى ثانياً.
وانظر إلى ورع أهل العلم ودقتهم في نقل الدين عند الرواية في الحديث مثلاً إلى التفريق بين قولهم: حدثني وأخبرني وسمعتُ وقرأتُ ورويتُ، بأفعالٍ دقيقةٍ واضحةٍ. أما في القرآن الكريم فلم يُعهد من قديمٍ أن يَروِيَ القرآن الكريم من لم يحفظه، لذا لم تكن هناك مباحث عن هذه المسألة قديماً فيما علمتُ، والصحابة من تلقاء أنفسهم كان أحدهم ينقل ويروي ما سمعه أو قرأه على النبي صلى الله عليه وسلم؛ ينقله من ذاكرته مباشرة، فذهبت عادةً أنما يُروى يكون من الحفظ لا من الصحف والمصاحف.
شروط الإجازة
للإجازةِ شرطانِ في المُجَازِ، يدوران حول العدالة والضبط، وهما مشتقان من علم رواية الحديث الشريف، فإنَّ صحةَ الروايةِ تخضعُ ضمنَ ما تخضعُ له في الرواةِ إلى هذينِ الشرطينِ، والقرآنُ الكريمُ أعلى ما يُروى وينقلُ، فَصَحَّ أنْ يكونَ فيهِ أعلى ما في المروياتِ من شروطٍ، والله أعلم:
الشرط الأول للإجازة
وهو العدالة:
فإنه لا مناصَ منها ولا مَعدِلَ عنها، إذ لا يَصِحُّ أن يُحَمَّلَ القرآنَ الكريمَ فاسقٌ أو صاحبُ بدعةٍ أو معصيةٍ ظاهرةٍ يُجَاهِرُ بها ويُصِرُّ عليها، فإن ذلك مَدْعَاةٌ للاستهانةِ بالقرآنِ الكريمِ والاستخفافِ به، وإلى هَوَانِ المشتغلينِ به وبعلومه، فإن أحدَهُم لا يَعْدِمُ أن يقولَ على الله بغيرِ علمٍ، وربما فَجَرَ فذكرَ مِنَ القرآنِ الكريمِ مَبْتُورَاً ما يَشهَدُ لفاسدِ رأيهِ وهواه، والإجازة شهادة: فهي شهادةٌ للمجازِ بأنه يَحْمِلُ القرآنَ الكريمَ، يُسألُ عنها المُجِيزُ بَينَ يَدَيِ العزيز، "سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ" (الزخرف 19).
وحَمْلُ القرآن الكريم ضَرْبَانِ:
· حَمْلٌ كَحَمْلِ الحِمَارِ يَحْمِلُ أسفاراً، وأعيذُ عالماً أن يُجيزَ مِثْلَ هذا الحَمْل.
· وحَمْلُ أمانةٍ للأداءِ والبلاغِ والعمل.
فإنْ شَهِدَ عالمٌ لفاسقٍ بصحةِ حملِهِ القرآنَ الكريمَ فكأنما يجيزُ بِدْعَتَهُ أو فِسْقَهُ، ولذا كانَ التثبتُ مِنْ حالِ الطلابِ محموداً، ومُعَايَشَتُهُمْ ومُمَازَجَتُهُمْ لمعرفةِ مَشَارِبِهِمْ مما يَجْعَلُ المُعَلِّمَ على بينةٍ مِمَّنْ يُجِيزُهُم.
الشرط الثاني للإجازة
وهو الضَّبْطُ وهو ضَرْبَانِ:
· ضبط علمٍ وفهمٍ (علمي).
· وضبط حفظٍ واستظهار وأداء (عملي).
أولا: ضبط العلم والفهم
¥