تأمّلات وتعقيبات
ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[19 Dec 2009, 12:34 ص]ـ
المسألة الأولى:
هل الواو المدّيّة تابعة لما قبلها تفخيماً وترقيقاً؟
قال المرعشيّ عليه رحمة الله تعالى عند تحدّثه عن حكم الألف تفخيماً وترقيقا: " ولعلّ الحقّ أنّ الواو المدّيّة تفخّم بعد الحرف المفخّم والله أعلم ". (جهد المقل ص154 تحقيق سالم الحمد).
من خلال هذا المقطع أقول وبالله التوفيق:
أوّلاً: إنّه استعمل لفظ (لعلّ) حرف ترجّي أي أنّه يرجو أن يكون جواز إطلاق لفظ التفخيم على الواو المدّيّة هو الحقّ. وهي عبارة يغلب عليها طابع الاحتمال والظنّ.
ثانياً: لم يسبقه إلى ذلك أحد من أهل العلم فيما اطلعت عليه.
ثالثاً: لو تساءلنا لماذا تفخّم الألف المديّة دون الواو؟
الجواب: التفخيم هو سمن يدخل على جسم الحرف فيمتلئ الفم بصداه (قاله ابن الطحان ت 561)، والذي يفسّر ذلك أنّ الصوت يعلوا بالألف المفخّمة فيصطدم بالحنك الأعلى فيعود صداه إلى جميع أنحاء الفم فيمتلئ ويبقى أقصى اللسان مرتفعاً لأجل ارتفاع الصوت. فارتفاع الصوت منوط بارتفاع اللسان،وما سمّيت الحروف المستعلية بذلك إلاّ لأنّ اللسان يعلو ويرتفع ويعلو معه الصوت ويرتفع، والتفخيم لازم لها، وإذا لم يرتفع الصوت فلا يمتلئ الفم بصداه.
أمّا في الواو المدّية فلا يمتلئ الفم بصدى الحرف لأنّ اللسان ينخفص بمجرّد انفصاله عن الحنك قبل أن تمتدّ الواو في الجوف فينتقل الصوت من المخرج المحقق إلى المخرج المقدّر. فلو نطقنا مثلاً {قوا أنفسكم} فإنّنا ننطق أوّلاً بالقاف المضمومة المفخّمة وذلك بإلصاق أقصى اللسان بالحنك، ثمّ بمجرّد الانتقال إلى الواو المدّية يحصل انفكاك لأقصى اللسان عن الحنك فينخفض الصوت بانخفاض اللسان وبعدها تمتدّ الواو في جوف إلى جهة الشفتين.
والفرق بين الألف والواو: أنّ في الألف المفخّمة يرتفع الصوت إلى الحنك ويبقى الصوت مرتفعاً وأقصى اللسان أثناء المدّ في نحو {طآئر}، {ق} فيستمرّ انصدام الصوت بالحنك الأعلى فيعود الصدى إلى جميع أنحاء الفم باستمرار حتّى ينتهي المدّ، خلافاً للواو المدّيّة فإنّ اللسان ينخفض بعد انفصاله من الحنك فينتقل الصوت إلى الجوف فيمتدّ الصوت إلى جهة الشفتين ولا يرتفع إلى جهة الحنك كما في الألف المفخّمة، ولا يمكن أن يحصل التفخيم بذلك.
لذا فإنّ ما جنح إليه المرعشيّ عليه رحمة الله تعالى غير مستقيم، ولله الحمد فإنّ هذا القول لم يُتلقّى بالقبول عند المعاصرين وإلاّ لأثّر ذلك في الأداء ولسمعنا الواو المدّيّة كحركة ( O) باللغة الفرنسيّة، فيصير النطق بالخاء المضمومة مثلاً ( KHO) بدل ( KHOU).
لذا ينبغي التنبيه مسبقاً على هذه المسألة من باب الوقاية والعلم عند الله تعالى.
ـ[نور الماضي]ــــــــ[19 Dec 2009, 05:40 م]ـ
أسأله تعالى أن ينفع بما قدمتم وإنا للبقية لمنتظرون!
ـ[عبد الحكيم عبد الرازق]ــــــــ[20 Dec 2009, 01:20 ص]ـ
إنصاف المرعشي
السلام عليكم
أخي الشيخ محمد يحيي
ذكرت ((ثانياً: لم يسبقه إلى ذلك أحد من أهل العلم فيما اطلعت عليه.))
الإمام المرعشي لم يقل بأنه سُبق بهذا القول، فقد نقل عنه صاحب " نهاية القول المفيد " بعد نقل الكلام السابق الذي نقله فضيلتكم عن المرعشي حيث ذكرتم ((ولعلّ الحقّ أنّ الواو المدّيّة تفخّم بعد الحرف المفخّم والله أعلم ". قال بعد ذلك: ... وقد رجوت أن يوجد التصريح بذلك أو الإشارة إليه في كتب هذا الفن لكن أعياني الطلب فمن وجده فليكتب هنا. وأما الياء فلا شك في أنها مرققة في كل حال.) ا. هـ ص128
وقد مثل المرعشي بكلمة " الطور والصور ونحوهما" ثم برهن للتفخيم في الواو المدية، ويبدوا أن المرعشي نظر إلي نهاية خروج صوت الحرف المفخم ثم نطقه بحرف الواو المدية فظن أن الواو مفخم، ولو صبر علي مدة الواو لعلم أنها مرققة.
وهذا خلاف نظري، لأنه ليس معني قوله بتفخيم الواو المدية أنه يخالف القراء في النطق، بل كل هذا من باب التحليل النظري، وإلا لاشتهر عنه ذلك ولتعقبه القراء وهذا لا أصل له. والله أعلم.
والسلام عليكم
ـ[محمد يحيى شريف]ــــــــ[20 Dec 2009, 03:07 م]ـ
أخي الشيخ عبد الحكيم
أوافقك على أنّ الخلاف نظري ولفظي إلاّ أنّه يُخشي أن يتحوّل إلى خلاف أدائي، وقد سمعنا من يفخّم الواو المدّية بعدّم إحكام ضمّ الحرف المفخّم ضماً محكماً في نحو {يقول}.
فهو من باب التنبيه والاحتياط.
أمّا كون المرعشيّ هو الأوّل من قال بذلك فهو ظاهر لأنّ ابن الجزري لم يتعرّض إلاّ للألف دون الواو والياء. والخلاف لفظيّ حتّى في الألف لأنّه لا يُتصوّر إمكان ترقيق الألف في {طال} و {وفصالا}، {ويصّالحا} لمن قرأ لورش بوجه التغليظ.
وقد غيّر رأيه ابن الجزري في ذلك بعد أن كان يعتقد أنّ الألف مرقّقة مطلقاً، فبعد أن قال (وحذرن تفخيم لفظ الألف) قال في النشر والصحيح أنّها لا توصف ............
فلا يُعقل أنّه قد غيّر أداءه في ذلك، لذا فإنّ الخلاف في الألف لفظيّ كذلك ومع هذا لم يتعرّض ابن الجزري ولا غيره للواو مطلقاً.
المهمّ في الموضوع أنّي أردتّ أن أبيّن خطأ من قال بتفخيم الواو المدّية من الناحية النظرية لا العملية. والخلاف في ذلك لا يضرّ ما دام الأداء لم يتغيّر.
والإمام المرعشيّ إمام بحق وليس مثلي من سينقص من قدره كما قيل:
على أنّه من كان شمساً مقامُهُ ........ فلا المدح يُعليه ولا الذمّ ضائرُ
والعلم عند الله تعالى.
¥