في الوقف والابتداء: بعضُ الإعاداتِ تكونُ زيادةً في القرآنِ لا تجوزُ، وضابطها!
ـ[أحمد النبوي]ــــــــ[12 Apr 2010, 10:42 م]ـ
مسئلةٌ
في أنَّ بعضَ الإعاداتِ تكونُ زيادةً في القرآنِ لا تجوزُ
وإنْ أشبهتِ الوقفَ الحسنَ، وضابطِ ذلك.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
فقد كَثُرَ جِدًّا وشَاعَ سَهْلاً على ألسنة بعض القراء في هذه الأيام من الوقوف والابتداءات العجيبة ما شاع، ومن أعجبها وأغربها تلك الإعادات في صلب كلام الله ما أنزل الله بها من سلطان، فلا ورد بها عند أهل الأثر دليل، ولا قام عليها من العقل برهان، بل بِخِلافِ ذلك: دار النقل والعقل كلاهُما على مَجِّها ومنعها، وما تمسُّك بعض القراء بها إلا لطرافتها وإغرابها على السامعين وإن عَافَهَا الذَّوْقُ والعقلُ بَدَاهَةً!
وأحب قبل البدء في تفصيل المسئلة أن أشير إلى أن بعض قرائنا الكبار أتى شيئاً يسيراً مما نبهتُ عليه في هذه المسئلة، وهو منهم فعلٌ نتأولُ لهم فيه خطأ المجتهد إن شاء الله، وهو أمر لم يكن شائعاً عندهم ولا ظاهراً، لكن شيوعه اليوم وذُيوعه ألجأني إلى التفصيل في سرد أمثلته وحُكمه، والمقصودُ ألا يَحُجَّني أحدٌ بفعلِ هؤلاء الكبار، فإن الرجال يوزنون بالحق ولا يوزنُ الحقُ بالرجال، وكما قلتُ: لم يكن شائعاً عندهم فلا حجة فيه، والله أعلم.
أُعَرِّجُ الآن على طائفة من الأمثلة قبل البدء في تخريج قاعدة هذه المسئلة وبيان وجهها الصحيح إن شاء الله، فمن ذلك أن يقرأ القارئ هكذا:
o " قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً قُلِ اللّه" فيقف ثم يبتدئ مكرراً لفظ الجلالة فيقول "اللّهُ شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ" (الأنعام 19)
o " وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ لا/ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا" (القصص 9) فهذا الوقفُ مما لا يصح أصلاً دون تكرار "لا"، فاحترز بعضُ القراء من مذمة الابتداء بـ"تَقْتُلُوهُ" بتكرار حرف النفي فانقلب زيادة، فقد راموا الخروج من لحنٍ فوقعوا في آخر!
o " وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ" (هود 45 - 46)
o وقوله تعالى "وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ/ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ" (القصص 42)
o وقوله "وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا/ يَقِينًا بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ" (النساء 157_158)
وضابط هذه المسئلةِ: أن يكون هناك زيادة في المعنى المفهوم؛ تتولدُ من تِكرارِ المبنى واللفظِ المنطوق، بأن تُعملَ العبارةُ أو اللفظةُ مرتين وقد وردت في نص القرآن الكريم مرة واحدة.
وعلى عكسِ ذلك قد تتكررُ اللفظة في نصِّ القرآن الكريم فيوقفُ اختياراً من أجل اجتناب تكريرها تكريراً من غير فصلٍ [1] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=20#_ftn1)، كما فى قوله تعالى "لاَ تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ/ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ" (التوبة 108)، ومنه كذلك قوله تعالى "وَإِذَا جَاءتْهُمْ آيَةٌ قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ/ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ" (الأنعام 124)، ومثل قوله تعالى "وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيراً* قَوَارِيراً مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا" (الإنسان 16 - 15) بالتنوين في الموضعين معاًً لنافعٍ وشعبة والكسائي وأبي جعفر. وجماعُ ما سبق أن التكرار يكونُ لغرضٍ يريده الله، فمن كرر لفظةً لغير ضرورةٍ فقد حَمَّلَ نصَّ القرآن ما ليس منه!
ومن أغراض التكرار اللفظي في القرآن الكريم التوكيد كما في قوله تعالى "هيهات هيهات لما توعدون"، قال القرطبي والبغوي: نزل القرآن بلسان العرب، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والايجاز [2] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=20#_ftn2).
¥