[أوهام في علم التجويد]
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[31 Oct 2009, 02:01 م]ـ
السلام عليكم
النقد على أربعة أقسام (العلمي أو الموضوعي ويهتم ببيان المزايا والعيوب على السواء، وقسمان آخران للنقد المنحاز أولهما النقد الأحول وهو أن نهتم ببيان المزايا فقط ونمارسه مع من نحب. وثانيهما النقد الأعور وهو أن نهتم ببيان العيوب فقط ونمارسه مع من نكره). وإليهن أشار ابن قتيبة الدّينَوَريّ بقوله (ونحن نعوذ بالله أن يطلع ذو النهى منا على ظلم لخصم [نقد أعور] أو إيثار لهوى [نقد أحول]) فبقي الخيار الثالث وهو النقد العلمي، وهو الذي يؤدي إلى تقدم العلوم والأمم ويحتاج أربعة أشياء:
-سعة اطلاع تقترب من الشمول،،
-وقدرة على التحليل بدراسة الرياضيات والمنطق الحديث، أو حتى بخبرة عملية مع فطرة سليمة
-وموضوعية آتية من الإخلاص للحقيقة،
-وشجاعة جائية من الرغبة في الإصلاح، لأن بيان العيوب والمزايا مدعاة إلى إثارة محبي الشيء ومبغضيه ودخول في سجال يستلزم النكوص والخمول في أحيان كثيرة كما قال المعري رحمه الله/
لجأتُ إلى السكوت من التلاحي * كما لجأ الجبانُ إلى الفرارِ
محصلة تلك القوى فيّ قادتني إلى كتابة هذا المقال عسى أن ينفع الله تعالى به فيثير في بعض الإخوة أفكارا تكون ذا مردود جيد على العلم، خدمة لكتاب الله تعالى عزّ وجل واقترابا من الكمال في حسنِ أدائه. وإذا احتُرمت سلامة النيات أثمر النقاش وقاد الحوار إلى نتيجته المرجوة. أما إذا انتهكت أخلاق الحوار فإنها تبني حاجزا نفسيا يحول العلم إلى مماحكة وصراع لا يفضي إلا إلى ضياع الوقت.
أثار بعض الإخوة قضية فتح الشفتين قليلا عند نطق النون الساكنة عند الباء [أنبئهم، الذنب، سميعاً بصيرا] وهو جائز وأولى بالصواب، لكنه أوهم جواز الشيء نفسه عند نطق الميم الساكنة عند الباء [ترميهمـ ــــ ـبحجارة]، وسبب التوهم جاء من استخدام مصطلح إخفاء على ظاهرتين مختلفتين. فقلت تعليقا على المسألة:
المصطلحات في علم التجويد متأخرة عن الأداء. وعلم التجويد نفسه إنما هو متأخر عن أداء التلاوة، ولذلك قالوا "القراءة سنة متبعة". فهو كعلم النحو متأخر عن اللغة واستعمالها، ومستنبط من محاولة وصف استعمال الناطقين بها لها.
والظاهرة الصوتية المتناقش فيها هي في الواقع ظاهرتان استُخدم لهما مصطلح واحد فأدى إلى اللبس.
1) صوت النون (نْ، ـاً، ـٍ، ـٌ) + بـ = إخفاء يجوز معه قلب النوم ميماً خالصة مغنونة، أو غير خالصة (تنفرج معها الشفتان.
2) مْ + بـ = تقرأ الميم مغنونة مطولة، وقد أطلقوا عليها اسم إخفاء شفوي فيما بعد.
إطلاق مصطلح إخفاء على الظاهرتين معا من قبل عدد ممن ألف في علم التجويد أحدث لَبساً عند بعض الناس، فجعلهم يظنون أن ما ينطبق على الحالة الأولى ينطبق بحذافيره على الحالة الثانية. وإن كان واضعو المصطلح قد ميّزوه عن النون بإطلاق صفة شفوي عليه، لكن معنى الستر الكامن في كلمة (إخفاء) قد أثبت حضوره فقاد بعض الناس إلى فتح شفاههم إبان نطقهم للميم التي لا يجوز بحال فتح الشفتين معها.
وبغضّ النظر عن مكانة من تكلّم على المسألة، وأستاذيته في الأداء والتلاوة والإقراء، وتاريخ علم القراءات. فإن المقاربة العلمية للمسألة تقتضي عزل الظاهرة الصوتية عن جميع ما قيل فيها لفهمها حقّ الفهم. وهي بعد تطبيق للأثر "اعرف الرجال بالحق ولا تعرف الحق بالرجال"
تشترك الظاهرتان [النون الساكنة بعدها باء، الميم الساكنة بعدها باء] بالغنة.
ويجوز في إحداهما وجهان على حين لا يجوز في الثانية إلا وجه، في علاقتهما بالشفتين.
يجوز في النون قلبها ميما خالصة بغنة وهو ما سمي بالإقلاب، ويجوزتفريج الشفتين عند تلاوة النون مع الباء إبقاء على الإخفاء، بل هو أولى لأننا نفرج الشفتين عن نطق النون الخالصة. وإن كنا عند الإدغام (لم يرو) نقلب النون حرفا من جنس ما بعدها ثم ندغمه فيها. وتبقى الغنة دليلا على النون عند حروف (و، م،ن) فنقرأ (من ورائه) _ (مِوّرائه). ونقرأ (من يشاء) (ميّشاء)، ونقرأ (مِن من) _ (مِمّن). ولتأصّل ظاهرة الإدغام في الميم تسربت إلى الخط فلا نكتب بعض الكلمات إلا مدغمة مثل (مما).
¥