تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال ابن الجزري معرّفاً الإقلاب: "وأما الحكم الثالث وهو (القلب) فعند حرف واحد وهي الباء فإن النون الساكنة والتنوين يقلبان عندها ميماً خالصة من غير إدغام وذلك نحو (أنبئهم، ومن بعد، وصم بكم) ". المتأمّل لهذا التعريف يلاحظ استعمال ابن الجزري عبارة: "يقلبان عندها ميماً خالصة" والميم الخالصة هي الميم التي حافظت على مخرجها وصفاتها ولا يتحقق ذلك إلاّ بانطباق الشفتين، وليس هو الأوّل من صرّح بأنّ الميم الساكنة تُقلب عند الباء ميماً خالصة فقد قال الداني في جامع البيان: "والحالة الثالثة: أن يُقلبا – أي النون الساكنة والتنوين- ميماً خالصة من غير إدغام وذلك عند الباء الخالصة " جامع البيان ص300. وقال أبو الأصبغ السماتي المعروف بابن الطحّان (ت561) في كتابه الإنباء في أصول الأداء ص 37: "فالقلب هو إبدالهما عند الباء ميماً خالصة لا يبقى منهما أثرٌ". وقال ابن المرابط (ت552) في كتابه التقريب والحرش المتضمّن لروايتي قالون وورش: "وتُقلبان عند الباء ميماً خالصة من غير إدغام، ثمّ يكون حكمها بعد القلب حكم الميم الساكنة " (ص85).

ولا ننس أنّ ابن الجزري صرّح بالإجماع في الإخفاء بعد القلب من جهة، وصرّح بأنّ النون تقلب ميماً خالصة، وفسّر هذا الإخفاء بإظهار الغنّة أي إشباعها فقط. وهذا يدلّ على أنّ الإخفاء لا يستلزم زوال ذات الحرف المخفى بافتراق عضوي مخرجه كما في النون المخفاة.

قد يقول أصحاب الفرجة: إنّ إقلاب النون الساكنة ميما خالصة يكون قبل الإخفاء أي بعد القلب يكون الإخفاء.

الجواب: هذا أمرٌ مستحيل إذ لا يمكن إقلاب النون الساكنة ميماً خالصة بانطباق الشفتين ثمّ التفريج عنهما لأجل الإخفاء بدليل أنّ أصحاب الفرجة لا يطبقون الشفتين إلاّ عند النطق بالباء أي بعد الإخفاء وليس قبله.

والقلب يمرّ بمرحلتين: الأولي إقلاب النون ميماً، والثانية الإخفاء. أقول: لو تركنا فرجة بين الشفتين لعطلنا المرحة الأولي وهو القلب لأنّه لا يمكن إقلاب النون ميماً إلا بانطباق الشفتين وذلك غير ممكن مع الفرجة. بينما لو أطبقنا الشفتين حال الإخفاء لتحقق القلب والإخفاء معاً بإشباع الغنّة وإظهارها.

الملاحظة الرابعة:

إنّ وصف الإخفاء كحالة بين الإدغام والإظهار خاصّ بالنون الساكنة والتنوين لا غير لعدّة أسباب:

الأوّل: إن كان القدامى ما اعتبروا الميم المقلوبة عند الباء في نحو {أنبئهم} إخفاءً، فإنّه يدلّ أنّهم ما اعتبروا تلك الحالة بين الإظهار والإدغام، وقد رأينا أنّ ابن الجزريّ هو أوّل من أطلق الإخفاء بعد القلب.

ثانياً: لم ينقل القدامى تعريف الإخفاء إلاّ بعد تعرّضهم لإخفاء النون الساكنة والتنوين.

ثالثاً: قد ذكر الداني أنّ الإخفاء نوعان إخفاء النون والتنوين وإخفاء الحركة. وتعريف الإخفاء لا ينطبق مع إخفاء الحركة، لأنّ إخفاء الحركة مرتبة بين الحركة التامّة والسكون المحض وليس بين الإدغام والإظهار. وهذا دليل أيضاً يدلّ على أنّه ليس كلّ ما يُطلق عليه لفظ الإخفاء يخضع للتعريف الذي وضعه الأئمّة وهو كونه بين الإدغام والإظهار.

رابعاً: إنّ أبا عمرو الداني صرّح بأنّ الخلاف في الميم الساكنة عند الباء خلاف عبارة لا خلاف أداء، وصرّح بأنّ الإخفاء على ضربين إخفاء النون والتنوين وإخفاء الحركة، ولمّ يصرّح بالإخفاء بعد القلب، وبالتالي فإنّ تعريف الإخفاء لا يتناسب عنده إلاّ مع النون الساكنة والتنوين لأنّ إخفاء الحركات لا يتناسب أبداً مع التعريف كما سبق بيانه وأمّا الميم الساكنة فالإخفاء عنده اصطلاح لفظيّ لا أدائيّ.

والعلم عند الله تعالى.

ـ[طه محمد عبدالرحمن]ــــــــ[29 Dec 2009, 10:28 م]ـ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلّم وبعد

إنّ العلم الشرعيّ مبنيّ على ركيزتين أساسيّتين وهما الرواية والدراية. فبالرواية يَثبت صحّة الخبر المنقول، وبالدراية يُحصّل العلم باستنباط الأحكام والفوائد من ذلك الخبر الثابت.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير