ونقل القاسمي عن الشاطبي: " ... أن يكون الاعتناء بالمعاني المبثوثة في الخطاب هو المقصود الأعظم، بناء على أنّ العرب إنما كانت عنايتها بالمعاني، وإنما أصلحت الألفاظ من أجلها. وهذا الأصل معلوم عند أهل العربية؛ فاللفظ إنما هو وسيلة إلى تحصيل المعنى المراد، والمعنى هو المقصود، ولا أيضًا كل المعاني؛ فإنّ المعنى الإفرادي قد لا يعبأ به إذا كان المعنى التركيبي مفهومًا دونه، كما لم يعبأ ذو الرمّة بـ"يائس" ولا "يابس" اتكالاً منه على أنّ حاصل المعنى مفهوم، وأبين من هذا ... أنّ عمر بن قرأ "فاكهةً وأبًا" قال: ما الأب؟ ثم قال: ما أُمِرنا بها. وقال لسائل?الخطّاب عنها: نهينا عن التعمّق والتكلّف، ومن المشهور تأديبه لضبيعٍ حين كان يكثر السؤال عن المرسلات والعاصفات ونحوهما. وظاهر من هذا أنه إنما نهى عنه؛ لأنّ المعنى التركيبي معلوم على الجملة ... " (11).
«قال ابن فارس:
باب القول في حاجة أهل الفقه والفتيا إلى معرفة اللغة العربية
أقول: إنّ العلم بلغة العرب واجب على كل متعلق من العلم بالقرآن والسنّة والفتيا بسبب، حتى لا غناء بأحد منهم عنه؛ وذلك أنّ وما في? عربي. فمن أراد معرفة ما في كتاب الله ?القرآن نازلٌ بلغة العرب، ورسول من كل كلمة غريبة أو نظم عجيب لم يجد من العلم باللغة بُدّا.?سنّة رسول الله
ولسنا نقول: إنّ الذي يلزمه من ذلك الإحاطة بكل ما قالته العرب؛ لأنّ ذلك غير مقدور عليه، ولا يكون إلا لنبي، كما قلناه أولاً، بل الواجب علم أصول اللغة والسنن التي بأكثرها نزل القرآن وجاءت السنّة. فأمّا أن يكلف القارئ أو الفقيه أو المحدّث معرفة أوصاف الإبل وأسماء السباع ونعوت الأسلحة، وما قالته العرب في الفلوات والفيافي، وما جاء عنهم من شواذ الأبنية وغرائب التصريف فلا» (12).
والسياق أحد مكوِّنات الكلام، لا يجوز إغفاله، والنظر في الكلام دون استحضاره، ليفهم الكلام من خلاله، ولعل خير شاهد نستشهده ما أورده ابن فارس في كتابه "الصاحبيّ" حين قال: "ولقد غلّط أبوبكر بن داود أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، في كلمات ذكر أنه أخطأ فيها طريق اللغة. وليس ببعيدٍ أن يغلِط في مثلها مثله في فصاحته، لكن الصواب على ما قال أصوب.
فأمّا الكلمات فمنها: إيجابه ترتيب أعضاء الوضوء في الوضوء، مع إجماع أهل العربية أنّ الواو تقتضي الجمع المطلق لا التوالي.
ومنها: قوله في التزويج: إذا قال الولي: زوّجتك فلانة، فقال المزوّج: قد قبلتها-: إنّ ذلك ليس بنكاح حتى يقول: قد تزوجتها أو قبلت تزويجها. قال: ومعلوم أنّ الكلام إذا خرج چ ? ? ? ? ? ?? ? ?چ، وقال چ ? ?? ??جوابًا فقد فهم أنه جواب عن سؤال، قال الله ?چ فاكتفى من المجيبين بهذا، وما كلفوا أن يقولوا: بلى أنت ربنا.
قال: ومنها تسمية البكر التي لا توطأ حائلاً. وابن داود يقول: إنما تسمّى حائلاً إذا كانت حاملاً مرة، أو توقع منها حمل فحالت.
ومنها قوله في الطائفة: إنها تكون ثلاثة وأكثر. وقد قال مجاهد: الطائفة تقع على الواحد.
: چ ں?ومنها قوله في قول الله ں ? ? چ أي لا يكثر من تعولون؛ والعرب تقول في كثرة العيال: أعال الرجل فهو معيل.
ومنها قوله في القروء: إنها الأطهار. فإنّ القرء من قولهم: يقرى الماء في حوضه.: دعي الصلاة أيام أَقرائِكَ.?قال: والعرب تقول: لا تطأ جاريتك حتى تقريها. وقال قال أبو بكر: ومن العظيم أنّ عليًّا وعمر رضي الله عنهما قد قالا "القُرْءُ الحيض" فهل يُجْتَرَأُ على تجهيلهما باللغة.
ومنها قوله في قوله جلّ ثناؤه: چ ? ? ? ?چ أنه أراد الذكور دون الإناث. قال: وهذا من غريب ما يغلط فيه مثله. يقول الله جلّ ثناؤه: چ? ? چ أَفَتُراه أراد الرِّجال دون النساء؟
قال ابن داود: وإنّ قبيحًا مُفرط القباحة بمن يعيب مالك بن أنس بأنه لحن في مخاطبة العامّة بأن قال: "مُطِرنا بالبارحة مطرًا أيَّ مطرًا" أن يرضى لنفسه هو أن يتكلم بمثل هذا؛ لأنّ الناس لم يزالوا يلحنون ويتلاحنون فيما يخاطب بعضهم بعضًا اتقاءً للخروج من عادة العامّة يعيب ذلك من يُنصفهم من الخاصة، وإنما العيب على من غلط من جهة اللغة فيما يغير به حكم الشريعة والله المستعان.
فلذلك قلنا: إنّ علم اللغة كالواجب على أهل العلم، لئلاّ يحيدوا في تأليفهم أو فتياهم عن سنن الاستواء.
¥