ولا يلزم أن يعبّر عن كل معنًى نحويّ بالحرف؛ فالإشارة معنًى نحويٌّ ولم يعبِّروا عنه بحرف، كما لا يلزم أن يعبّر عن كل معنًى في الحياة بالتعبير النحوي؛ إذ يكفي من النحو أن يتدخّل في تكوين المعنى وتركيبه، ولولا التركيب ما تحقق المعنى الذي يقصد إليه المتكلم، فتعبِّر عن حزنك بـ: حزنتُ، والمخاطب: حزنتَ، والغائب: حزِن زيدٌ، والجمع: حزن المصابون، وحزن أهل الميِّت، وحزنوا ... إلخ، وكذا فرحتُ ... إلخ.
ثم إنّ معاني النحو معانٍ كلّيّة يقصدها المتكلم، أو يعبِّر عنها، بالصيغة، أو الأداة، أو التركيب، أو الأسلوب، أو العلامة، أو النظام، ومعاني اللغة معانٍ خاصة تعبِّر عنها الألفاظ، والعلاقة بين المعنى اللغوي واللفظ هي علاقة الاسم بالمسمَّى. وهذا يعنى به أصحاب اللغة والمعجميُّون.
وقد كان من طرائق العرب في كلامها أن تعبّر عن المعاني النحوية بالأداة، ولا يلزم أن يعبّر عن كل معنًى نحويّ بأداة أو حرف، فهناك معانٍ، لم يعبِّروا عنها بالحرف، أو الأداة، فالتعبير عن المعاني النحوية إمّا بالحرف والأداة، وإمّا بالصيغة، وإمّا بالتركيب، وإمّا باللفظ عينه (المفردة)، فيكون حينئذ معنًى لغويًّا.
المعنى النحويّ وسيلته التركيب من قرينة، ورتبة، وأداة، وإعراب، وحذف وإظهار، وإضمار، وتقديم وتأخير، وربط، ومطابقة ... إلخ.
والمعنى الصرفي، وهو جزء المعنى النحويّ، وسيلته الصيغة من حركة وسكون، وتعيين نوع الحركة، وزيادة، إلاّ الحذف، والإبدال والقلب، والقلب المكانيّ فإنها لا تحمل معنًى صرفيًّا، ولا غيره؛ لأنّ المقصود منها تحسين اللفظ، والتيسير، وطلب الأخفّ.
ولسائلٍ أن يسأل: كيف تدلّ الصيغة على المعنى النحويّ؟ فنقول: إنّ الأبنية الصرفية مبناها على التغيير، والتغيير في الأبنية -كما أسلفت- نوعان:
نوع يراد به إحداث معنًى جديد في البنية، مثل التغيير في صيغة الفعل: كسا وكسِيَ، وكُسِي، وعلِم وعلُم، وفعل وأفعل وفعَّل وفاعل، نحو: كرُم وأكرم، وعلِم وعلَّم، وقتل وقاتل، وصيغة الاسم (الصفات) مثل: ذاهب، ومقتول، وقتّال، ومقتل، ومضَرب، وموعد، وهُمَزة، وهُمْزة، ونَفَض ونَفْض، وطَحْن وطِحْن. ومن الصيغ ما لا يتحدد معناه إلا من خلال سياقه، كالمشتقِّ مما زاد على ثلاثة أو بُدئ بميمٍ زائدة وفُتِح ما قبل آخره، مثل "مُكْرَم" تحتمل أن تكون اسم مفعول، ومصدرًا ميميًّا، واسم زمان، واسم مكان، واسم آلة، والسياق هو الذي يعيِّن واحدًا منها، ويرفع لبس الاشتراك اللفظي.
ونوع من التغيير في الأبنية لا يراد به إلا تحسين اللفظ، مثل مسائل الإعلال، والإبدال، والقلب المكانيّ، وتسهيل الهمز، والحذف، وهذا لا نقف عنده طويلاً؛ فـ"ميزان" الغرض من قلب واوه ياءً هو تحسين اللفظ، لا غير.
ودلالات الصيغ-كمفرداتها- لا تتحقق إلا من خلال تركيبها مع غيرها، حتى يخرج لنا كلام يفيد فائدة يحسن بالسكوت عليها، أمّا المعاني التجريدية فليست إلاّ تقريبًا للعلم.
سبق أن ذكرنا أنّ الأداة ذات معنى إضافيّ، وأقول هنا: إنها ذات معنًى وظيفيّ نحويّ، ثم نحن بحاجة للتفريق ما بين المعاني الإضافية، والمعاني الوظيفية، والتفريق بينهما على نحو ما تقدّم.
ثم إنّ الأداة لا تحمل معنى بنفسها، بمعنى أنها تدل على المعنى بغيرها، فهي حرف أو كالحرف، ولهذا لا يجوز عدّ الضمائر والأسماء الموصولة وأسماء الإشارة والظروف أدوات.
الأداة لا تقصد لذاتها، وإنما يقصد معناها، فحين تقول: مَن يجتهد ينجح، أنت قصدت الشرط، بخلاف ما إذا قلتَ: هذا ناجح، فأنت قصدت الإخبار عن هذا بالنجاح. وإذا قلتَ: هذا ناجح قصدت إلى المعنى اللغويّ الذي وضع له، وهو المشار إليه، لا الإشارة، بخلاف ما إذا قلتَ: "إن" فإنك تقصد المعنى النحويّ الذي وضعت له، وهو الشرط، وهو معنًى لا تدلّ عليه إلا بعد تضامِّها مع غيرها: جملتي الشرط والجواب. وحين تقول: كيف الحال؟ فالمقصود السؤال والاستفهام عن الحال. وحين تقول: هذا ناجح، لا تقصد الإشارة إلى الناجح، وإنما تقصد الحكم على المشار إليه بالنجاح. وفرق بين المعنيين، فالأول معنًى نحويّ عبَّر عنه بالأداة (كيف) والثاني معنًى نحويّ عبَّر عنه بالإسناد.
¥