وقد تحمل الأداة عدة معانٍ إضافية، والسياق هو الذي يعيّن أحدهما، كالمشترك اللفظي، يحتمل معاني متعددة ليس معنًى بأولى من معنًى، حتى يعيّن السياق المعنى المراد.
وأمّا التراكيب فتشمل جميع أنواع التركيب بحيث يحتوي على الأقل مسندًا ومسندًا إليه، وقد تحتوي التراكيب على ما يريد عليهما، من المفاعيل، والقيود، والموضِّحات، والتتمّات الأخرى التي تجعل الكلام تامًّا بإفادته فائدة يحسن السكوت عليها.
وأمّا الأساليب فهي أقرب ما يكون من لغة الأمثال، والعبارات المسكوكة التي تلزم وضعًا تركيبيًّا خاصًّا لا يقبل التغيير، ولا التصرف، ولا ينفرد جزء منه بإفادة المعنى، بل يتركب المعنى من مجموع التركيب، فأسلوب التعجب "ما أكرم زيدًا" ليست "ما" هي التي تفيد التعجب وحدها، ولا صيغة "أفعل" وحدها، ولا نصب "زيدًا" وحده، بل المجموع هو الذي يفيد التعجب، ومثله الاستغاثة، وما أشبهها من التعجب، فهذه أساليب، تجري مجرى الأمثال، وتفيد المعنى باعتبارها كتلةً واحدةً، لا تنفرد الصيغة، ولا الأداة، ولا مجرّد التركيب بإفادته.
وللمعاني النحوية الوظيفية أغراض، هي:
1 - تكوين المعاني الإضافية، والإسهام في تكوين وتعيين المعاني العامة.
2 - التسامي بتحقيق المعاني الإضافية على أعلى درجة بيانية.
3 - تحقيق الحد الأدنى من صحة النظام النحويّ، وفق ما تقضي به أصول الصناعة النحوية.
4 - تحسين اللفظ، في مثل: ميزان، وما كان من الأبنية فيه قلب أو إبدال، أو إعلال، أو إدغام واجب، ومثل الإضافة اللفظية.
5 - التيسير على مستعمل اللغة بمجاراته على ما اعتاد لسانه، من خلال الإمالة، وبعض حالات الإدغام، والقلب المكاني، وترك ما يعسر نطقه.
المعاني النحوية الإضافية محصورة معدودة، بخلاف المعاني اللغوية، فإنها لا تقع تحت حصر، ولا يأتي عليها العد، ثم المعاني النحوية مما يمكن إدراكها بالفطرة، وبالحس، والذوق، والسياق، بخلاف المعاني اللغوية، فإنها تتطلب شيئًا من الحفظ والدرس والمعاناة، والإدراك من الحياة، وتتعذر أو تعسر الإحاطة بها أو بألفاظها؛ لأنها متجددة متوالدة.
وبعد أن كتبت هذا اطلعت على ما يقوله أصحاب النحو التوليدي التحويلي من الفطرية اللغوية (النحوية أولى من اللغوية) في ذهن الإنسان؛ إذ "يستطيع الإنسان غير السويّ فضلاً عن الذكي القادر إنتاج الجمل والتعبير عما في نفسه في حين لا يستطيع أذكى الحيوانات وأكثرها تدربًا وتقبلاً للتعليم أن يأتي بشيء من ذلك؛ إذ يتدرّج الطفل في الكلام وتعلّم اللغة من بيئته، حتى يصل إلى سنّ السابعة مثلاً ليكون قادرًا على التعبير عما في نفسه بعدد كبير من الجمل التي لم يكن قد سمعها من قبل، وقادرًا -إلى حد ما- على التمييز بين الجمل السليمة وغيرها، فيأتي إلى المدرسة في هذه السن ليتعلّم كيف يقرأ ويكتب، لا كيف يولّد جُمَلاً (4). وإلى جانب هذه الفطرية اللغوية (النحوية) هناك فطرية ذهنية تقوم على عدد من الكليات النحوية التي تقوم بضبط الجُمل التي ينتجها المتكلم وتنظيمها بقواعد وقوانين لغوية عامة تخضع لها الجُمل، وهي مشتركة بين البشر، ويختار المتكلم ما يناسب لغته ويقي حاجته، وهذه الفطرية التي يولد عليها الإنسان تنمو بالتدريج حتى تنضج من اكتساب التعابير اللغوية من المجتمع، ليتكوّن لديه قدرة على توليد الجُمل وبنائها مضبوطة بقواعد وقوانين تسمّى القواعد التوليدية؛ فالقواعد والقوانين النحوية المسئولة عن بناء الجُمل وتراكيبها فطريّة ذهنيّة كلّيّة عالميّة وهي التي تقوم بضبط الجُمل بعد توليدها، وينتج عن هذا جُمل صحيحة لها معنًى وجُمل غير صحيحة لا معنى لها، وإن كانت الألفاظ المكوِّنة لها واحدة" (5).
وهناك أساس ثالث مبنيٌّ على هذين، وهو الكفاية والأداء، ويقصد بالكفاية قدرة المتكلم والسامع على إنتاج عدد هائل من الجُمل من مكوِّنات الكلام الأوّليّة (الأصوات، والأبنية، والمفردات) والحكم بصحتها أو فسادها من وجهة نظر نحوية تركيبية، مع ربطها بمعنًى لغويّ محدَّد، من خلال عمليات ذهنية داخلية، يتم التنسيق بينها بما يسمَّى "قواعد إنتاج اللغة" ويقصد بالأداء الكلام والجُمل الناتجة من القواعد والقوانين اللغوية الكامنة التي تنظم وفقها مكوِّنات الكلام الأوليّة (6). ويمكن أن نمثِّل من العربية للكفاية والأداء من اللغة بتقليبات المادة
¥