تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

والتصنيف النحويّ في عمومه يراعي المعاني الوظيفية أكثر مما يراعي المعاني الإضافية، ومبناه عليها، بل لا يكاد يلتفت إلى المعاني الإضافية، فلا ترى في غالب كتب النحو بابًا للاستفهام؛ وحين يتناول النحاة التأكيد يتناولونه من ناحية الوظيفة، وهي تبعية المؤكِّد المؤكَّد في حين نجد الاستفهام، حيث الحديث عن الصدارة، والابتداء مفرّقًا على أبواب النحو الأخرى. ويتصل بهذا التبويبُ النحويُّ بين الوظيفة والمعنى.

وقال ابن هانئ: "ويجوز أن يتوصل للتعجب من الممتنع بـ"تَعَجَّبْتُ"، وما أشبه ذلك مما يقتضي الزيادة والبلوغ كـ"دُهِشْتُ"، و"تَحَيَّرْتُ" وما أشبه ذلك، فتقول: "عَجِبْتُ مِنْ دَحْرَجَةِ زَيْدٍ"، و"دُهِشْتُ"، و"تَحَيَّرْتُ"، لكن هذا النوع يرجع إلى التعجب بغير الصيغ، والنحويون لا يبوّبون له، لكن نصَّ (أبو علي) على مثله" (10).

وقال ابن هانئ: "وذهب الكوفيون إلى أنّ (أَفْعَلَ) في هذا الموضع اسم، وأنه (أَفْعَلَ) الواقع [في التفضيل، وعنهم فيه الإعراب، والبناء؛ لأنه تضمن معنى] حرف التعجب، وإن لم ينطق به؛ لأنّ (التعجب) من المعاني الإضافيات كـ (الاستفهام)، و (الشرط)، وما أشبه ذلك، وحقه أن يكون بالحروف؛ فقد كان التعجب حقه أن يكون بالحروف؛ لأنه كـ (الشرط)، و (الاستفهام)، و (الإيجاب)، وغير ذلك من المعاني الإضافيات، فيُبْنَى على هذا؛ لتضمُّنِه معنى حرف التعجب الذي لم ينطق به. ومثل هذا مذهب المصنف في بناء أسماء الإشارة، فإنها بُنِيَتْ لتضمُّنِها معنى حرف الإشارة غير المنطوق، وعنهم أنه معرب، وأنّ إعرابه مستعار مما بعده، فإنّ الذي بعده حقه النصب؛ لأنه (فَضْلَة) و (الفَضْلَةُ) من حيث هي حقها النصب، لكن لَمّا كان محتملاً للمعاني الثلاثة التي قدّمنا لم يقوَ على تحمُّل ما يدل على معنى مقصود على جهة التعيين، فانتقل حكمه من النصب إلى ما قبله، وبقي هو فارغًا من النصب، فأعطي نصبًا آخر مغايرًا لذلك النصب؛ لأنه الخصيص بالفضلات؛ ولذلك يقولون فيه: إنه منصوب على التعجب، لا يقولون: إنه مفعول" (11).

وقال ابن هانئ: "ويقع (التعجب) من (التعجب)؛ لأنه من المعاني الإضافيات فيصح فيها التغاير، فتقول: (تَعَجَّبْتُ مِنْ تَعَجُّبِكَ). ومنع بعضهم من ذلك فقال: لا يقال إلا (عَجِبْتُ لِتَعَجُّبِكَ)، لا (تَعَجَّبْتُ). وأمّا قول أبي الطيِّب:

أنا عاجِبٌ لِتَعَجُّبِكَ

إِذْ كُنْتُ حِينَ رَأَيْتَنِي

فَشُغِلْتُ عَنْكَ وَكَا مُتَعَتِّبٌ لِتَعَتُّبِكْ

مَتَوَجِّعًا لِتَغَيُّبِكْ

نَ شُغْلِي عَنْكَ بِكْ

قال ذلك لرجل ذكر أنه سلّم عليه فلم يردّ عليه أبو الطيِّب، وكان صديقًا لذلك الرجل، فيحتمل أنه عدل عن (تَعَجَّبْتُ) إلى (عَجِبْتُ)، فأجرى عليه اسم الفاعل من أجل الوزن. ويحتمل أنه رأى المنع؛ لما يلزم من ذلك من جعل المطاوع مطاوعًا مع عدم استعمال ما يتحقق فيه معنى المطاوعة، وهو الفعل الداعي للمطاوعة على سبيل السوغ وهي مسألة خلاف" (12).

ولا يجمع بين أمرين يؤدِّيان معنًى نحويًّا واحدًا، مثل الجمع بين الباء والهمزة للتعدية في جملة لكونهما بمعنىً واحد، ولا يعترض بمثل التأكيد فهو مستثنًى؛ لأنّ الجمع كالتكرير، والتكرير توكيد؛ فـ"لا يجوز الجمع بين الباء والهمزة للتعدية في جملة لكونهما بمعنًى واحد؛ فقد منع ذلك الأخفش وأبو حاتم السجستاني ومكي القيسي في قراءة أبي جعفر چ ? ? ? ? ?چ النور: 43 في حين ضعّفه الفرّاء والطبري، وذكر أبو جعفر النحاس أنّ بعض النحاة قد قدّر زيادة الباء في قراءة أبي جعفر، أي: (يُذْهِبُ الأَبْصَارَ)، وتبعه في القول بزيادتها ابن جِنِّي. وقال ابن عصفور: "ولكون الباء بمعنى الهمزة لا يتصور الجمع بينهما فلا نقول أذهبت بزيد". وقال ابن يعيش: "اعلم أنه متى عدَّيت الفعل بالهمزة أو التضعيف لم تجمع بين واحد منهما وحرف الجر؛ لأنّ الغرض تعدية الفعل فبأي شيء حصل أغنى عن الآخر، ولا حاجة إلى الجمع بينهما"، وأجازه المبرّد (على أن تكون الباء متعلقة بالمصدر؛ لأنّ الفعل يدلّ عليه؛ إذ منه أخذ تقديره: يُذهب ذهابه بالأبصار، وعلى هذا أجازوا: أُدخل بزيدٍ السجنُ، كأنه قال: أُدخلَ السجن دخولاً بزيد).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير