لا درَّ درِّي إن أطعمت نازلكم قِرْفَ الحَتِيِّ وعندي البُرُّ مكنوز ([56])
المبحث الثالث: الفصل بين لن ومعمولها
الأصل في الإعمال للأفعال؛ فلهذا تعمل متقدمة، ومتأخرة، ومذكورة ومحذوفة، ومتصلة بمعمولاتها، ومفصولة عنها 0
أما الحروف فهي عوامل ضعيفة لاتعمل في متقدم أبداً، ولا يفصل بينها وبين ومعمولاتها بأجنبي في سعة الكلام، فإن فصل بينها وبين معمولاتها بأجنبي أهملت كـ (إذن) الداخلة على المضارع نحو إذن زيد يكرمُك بإهمال إذن بسبب الفصل بالأجنبي0
ولن حرف ينصب المضارع بنفسه، ولا يعمل في متقدم أبداً إذ لا يقال يقومَ لن زيد، ولا يفصل بينه وبين معموله فلا يقال: لن زيدٌ يقومَ ولكن العرب يتوسعون في الظرف والجار والمجرور والقسم فيفصلون بهن بين الحرف ومعموله مع بقاء الإعمال سمع من العرب قولهم:
فلا تلحني فيها فإن بحبها أخاك مصاب القلب جَمٌّ بلابلُهْ ([57])
إذ فصل بين إن واسمها وخبرها بالجار والمجرور الذي هو معمول الخبر، والأصل: فإن أخاك مصاب بحبها، كما سمع من العرب قولهم:
إذن والله نرميَهم بحرب تشيب الطفل من قبل المشيب ([58])
ففصل بين إذن ومعمولها بالقسم، وأعملها فنصبت نرميهم
وسمع من العرب في ضرورة الشعر قولهم:
لن ما رأيتُ أبا يزيد مقاتلاً أدعَ القتال وأشهدَ الهيجاء ([59])
إذ المعنى لن أدع القتال ما رأيت أبا يزيد مقاتلاً، فـ (ما) مصدرية ظرفية تسبك مع ما بعدها بمصدر أي لن أدع القتال مدة رؤيتي أبا يزيد مقاتلاً قال ابن جني: ((وقد شُبِّه الجازم بالجارّ ففصل بينهما كما فصل بين الجارّ والمجرور؛ وأنشدنا لذي الرمة:
فأضحت مغانيها قفاراً رسومها كأن لم سوى أهل من الوحش تؤهلِ ([60])
وجاء هذا في ناصب الفعل 0أخبرنا محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى بقول الشاعر:
لمَّا رأيت أبا يزيد مقاتلا أدعَ القتال 000
أي لن أدع القتال ما رأيت أبا يزيد مقاتلاً، كما أراد الأول: كأن لم تؤهل سوى أهل من الوحش، وكأنه شبّه لن بأنَّ فكما جاز الفصل بين أنّ واسمها بالظرف في نحو قولك: بلغني أنّ في الدار زيداً، كذلك شبَّه لن مع الضرورة بها ففصل بينها وبين منصوبها بالظرف الذي هو: ما رأيت أبا يزيد أي مدة رؤيتي)) ([61])
وقال ابن عصفور فيما يخص ضرورة الفصل بين المتلازمين: ((ومنه الفصل بين الحروف التي لا يليها إلا الفعل في سعة الكلام وبين الفعل نحو قول الشاعر:
لن - ما رأيت أبا يزيد مقاتلا- أدعَ القتال وأشهدَ الهيجاء
يريد لن أدع القتال وأشهد الهيجاء ما رأيت أبا يزيد مقاتلاً ففصل بين لن والفعل المتصل بها)) ([62])
أما تقديم معمول فعلها عليها فجائز في السعة قال الشاعر:
مه عاذلي فهائماً لن أبرحا بمثل أو أحسن من شمس الضحى ([63])
إذ قدم خبر أبرح على لن مع منفيها 0
وكان مما احتج به سيبويه على الخليل بعدم تركب لن من لا وأن قوله أما زيداً فلن أضرب، فقدم معمول فعلها عليها في السعة 0
المبحث الرابع: تلقي القسم بلن
العرب توقع المضارع المنفي في جواب القسم ([64])، والمشهور عندهم نفيه بـ (لا)،أو (إنْ) أو (ما) فمثال تلقي القسم بـ (لا) النافية قوله تعالى:) فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم (([65])
وقول الشاعر:
لئن عاد لي عبدُ العزيز بمثلها وأمكنني منها إذن لا أقيلُها ([66])
ومثال النفي بـ (ما) قول الشاعر:
لعمرك ما تدري الضوارب بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانع ([67])
ومثال النفي بإن قولك: والله إن يعلم بهذا إلا زيد، ولم أقف له على شاهد، ولكنّ النحاة يجيزونه ([68]) 0
ويجوز حذف النافي مع الفعل المضارع إن كان أحد هذه الحروف (لا أو ما أو إن)؛ لأنهن مهملات أصالة كما في قوله تعالى:) تالله تفتأ تذكر يوسف (([69]) أي لا تفتأ 0
وذهبت طائفة كبيرة من النحاة إلى عدم جواز تلقي القسم بـ (لن ولم) من أدوات النفي؛ وعلل الرضي ذلك بأن العامل الحرفي لا يحذف مع بقاء عمله، وإن أبطلوا العمل لم يتعيّن النافي المحذوف ([70])
وقد سمع من العرب تلقي جواب القسم بلن قال الشاعر:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسَّد في التراب دفيناً ([71])
¥