تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فالطبرسي يؤكد أن لن حرف ينفي المستقبل على وجه التأبيد، والطَّبَرْسِيُّ شيعي إمامي، كان في زمن الزمخشري إذ ولد عام 462 هـ في طَبَرْستان، وتوفي عام 548هـ على الأرجح، والزمخشري كما سبق ولد عام 467 هـ، وتوفي عام 538هـ، وألف الطبرسيُّ كتابه هذا قبل أن يطلَّع على الكشاف؛ إذ فرغ من تأليفه عام 536 هـ وكتابه مجمع البيان مستمدٌّ من كتاب البيان لمحمد بن الحسن بن علي الطوسي، ثم لمَّا اطلع الطَّبَرْسِيُّ على كشاف الزمخشري أعجبه أيَّما إعجاب فصنَّف كتاباً آخر أسماه: جامع الجوامع ليكون جامعاً بين فوائد البيان للطوسي والكشاف للزمخشري

و لو قال قائل: إن هذه المسألة - أعني القول بتأبيد النفي بلن - كانت منتشرةً عند الشيعة الإمامية، وعند المعتزلة في عصر الزمخشري لم يكن مجانباً للصواب 0

ويقول الخاروني الشوكاني وهو أحد تلامذة الزمخشري: ((لن وهي للنفي على التأبيد، ولردّ قول من يقول: سيقوم زيد، وسوف يقوم زيد، نحو لن يقوم زيد)) ([141])

فهذا الخاروني تلميذ الزمخشري ينصُّ علىأن لن تفيد تأبيد النفي، وليس بمستغرب أن يكون تلقَّفها من شيخه الزمخشري في دروسه التي كان يلقيها على تلامذته، ولا سيما أن فكرة تأبيد النفي بلن كانت معروفة عند أهل المشرق الإسلامي كما رأينا قبل قليل وكانوا على علم وبصيرة سابقة بها 0

ويقول صدر الأفاضل - وهو أحد شرَّاح المفصل-: ((قال الشيخ ينبغي أن تعلم أن النفي بها لا يكون للتأبيد، لكنه يكون أشد وأبلغ منه في لا، واستدلَّ لذلك باستعمالهم إيَّاها مع التقييد واستشهد بقوله تعالى) فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي أو يحكم الله لي (([142]) ولك أن تقول: ما المانع من أن تكون للتأبيد، ويستعمل مع التقييد؟ ألا ترى أنك لو قرنتها بلفظة التأبيد لم يمنع من التقييد أيضاً مثاله قولك: لن أخرج أبداً حتى يأذن لي الأمير، وقال تعالى:) إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها (([143]) وهذا تقييد مع التأبيد)) ([144])

فصدر الأفاضل ينقل نصّاً من الشيخ ولا أعلم من هذا الشيخ الذي أومأ إليه، أهو عبد القاهر الجرجاني الذي يقوم صدر الأفاضل في النص السابق بشرح كتابه الجمل في النحو، أم يريد شيخاً آخر غيره من علماء المشرق، فصدر الأفاضل ينافح عن فكرة تأبيد النفي بلن ويرد قول الشيخ المانع من تأبيد النفي بلن، ويجيز مجيء لن للتأبيد مع التقييد، ويجب ألا يغيب عن البال أن صدر الأفاضل أحد شرّاح المفصل

ونقل محقق التخمير عن حاشية كُتبتْ على إحدى نسخه الخطية ما يلي: ((جاء في هامش نسخة ب: (ح) ابن الدهان أبو الحسن عن الخليل في كتاب الأدوات أن لن كلمة تؤكد الجحد في المستقبل، فإذا قلت: لن أفعل فقد أكدت على نفسك أنك لا تفعله أبداً، وقال في تفسير لن إنه يخلِّص الفعل للمستقبل وينفيه، وذلك في قولك لن يذهب زيد أبداً إذا قال قائل: سيذهب زيد غداً)) ([145])

من خلال النص السابق نلمح أن كلمة (أبداً) تكررت مرتين، الأولى منهما تُشْكِلُ؛ لأنها جاءت في سياق تفسير معنى لن من غير أن يكون المتكلم قد نصَّ على الأبد في كلامه، بخلاف كلمة (أبداً) الثانية إذ جاء ت منصوصاً عليها في المثال من المتكلِّم 0

ومن هنا فإن ما ذكره أبو الحسن عن الخليل في كتاب الأدوات مشكل أيضاً، إذ يجوز أن تكون هذه العبارة هي التي استقى منها القائلون بتأبيد النفي بلن مذهبهم وساروا عليه

ولا نعلم من أبو الحسن هذا؟ أهوأحد الأخافشة؟ أم هو الرماني؟ أم غيرهم، ثم يقال هل للخليل كتاب يقال له الأدوات؟ كلُّ ذلك لا نجد له إجابة الآن، وإنما نقول: إن القوم قبل الزمخشري كانوا على علمٍ ودراية بمقولة تأبيد النفي بلن 0

ويقول ابن يعيش: ((اعلم أن لن معناها النفي، وهي موضوعة لنفي المستقبل، وهي أبلغ في نفيه من لا؛ لأن لا تنفي يفعل إذا أريد به المستقبل، ولن تنفي فعلاً مستقبلاً قد دخل عليه السين أو سوف، وتقع جواباً لقول القائل سيقوم زيد، وسوف يقوم زيد، والسين وسوف تفيدان التنفيس في الزمان؛ فلذلك يقع نفيه على التأبيد وطول المدة نحو قوله تعالى) ولن يتمنوه أبداً بما قدمت أيديهم (([146])، وكذلك قول الشاعر:

ولن يراجع قلبي حبَّهم أبداً زَكِنْتُ من بغضهم مثل الذي زَكِنُوا ([147])

ـ[راكان العنزي]ــــــــ[19 - 02 - 2008, 01:08 ص]ـ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير