تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فذكر الأبد بعد لن تأكيداً لما تعطيه لن من النفي الأبدي، ومنه قوله تعالى:) لن تراني (([148]) ولم يلزم منه عدم الرؤية في الآخرة؛ لأن المراد: إنك لن تراني في الدنيا؛ لأن السؤال وقع في الدنيا، والنفي على حسب الإثبات)) ([149])

ويقول السكاكي: ((ولن وهو لنفي سيفعل، وأنه لتأكيد النفي في الاستقبال، وقد أشير إلى أنه لنفي الأبد)) ([150])، فالسكاكي يقطع بالتأكيد، ويلّمح بالتأبيد؛ لأنه لم يعترض عليه، وكأنه يقول لامانع من أن يجتمع في لن التأكيد والتأبيد فيكون النفي أبداً مؤكداً0

ويقول ابن عطية: ((وقوله عز وجل) لن تراني (نصٌّ من الله تعالى على منعه الرؤية في الدنيا، ولن تنفي الفعل المستقبل، ولو بقينا مع هذا النفي بمجرده لقضينا أنه لا يراه أبداً ولا في الآخرة، لكن وَرَدَ من جهة أخرى بالحديث المتواتر أن أهل الجنة يرون الله تعالى يوم القيامة فموسى عليه السلام أحرى برؤيته)) ([151])

فابن عطية يرى أن البقاء على أصل الوضع اللغوي في لن يمنع رؤية المؤمنين ربهم مطلقاً؛ لأنها -كما فهم - للنفي المؤبد، ولكنه يقرر أن رؤية المؤمنين ربهم في الآخر ثابتة بسبب أمر خارج عن الوضع اللغوي لـ (لن) وهو الحديث المتواتر 0

ويقول الفاكهي: ((محل الخلاف في أنها هل تقتضي التأبيد أم لا فيما إذا أُطلق النفي أو قُيِّد بالتأبيد، أما إذا قيّد بغيره نحو) فلن أكلم اليوم أنسياً (فلا خلاف بينهم في أنها لاتفيده، فقد ظهر أن من ردَّ على الزمخشري في قوله بتأبيد النفي بهذه الآية وشبهها مما قيّد فيه نفيها منفيها بغير التأبيد ليس على تحقيق المسألة)) ([152])

ويقول يس العليمي: ((وانتصر الحفيد للزمخشري فقال: واعلم أن قول النحويين لن ليست لتأبيد النفي مع أنها لنفي سيفعل متناقض؛ وذلك لأن سيفعل مطلق، ونقيضه لن يفعل الدائمة، فلو لم تكن لتأبيد النفي لم يكن قولنا لن يفعل نقيضاً لقولهم سيفعل؛ لأنه على ما قالوه من عدم التأبيد يجوز أن يكون النفي على حالةٍ والإثبات على أخرى، فالحق أنها لتأبيد النفي كما ذكره الزمخشري لاسيما ومدلولات الألفاظ ليست راجعة إلى اعتقاد أحد)) ([153]) ثم ردّ يس العليمي على الحفيد بما يطول ذكره فمن أراد الوقوف عليه فليراجعه في موضعه 0

ويقول الأسفندري - وهو أحد شرّاح المفصل-: ((قال رضي الله عنه: فصل ولن لتأكيد ما تعطيه لا إلى آخره (حم) قال صاحب الكتاب: لن كـ (لا) في النفي إلا أن في لن معنى التأكيد وليس كما يزعم القوم أنها للتأبيد؛ إذ لو كانت كذلك لما جاز فيه التحديد كما في الآية التي تليت عليك)) ([154])

والأسفندري يرمز بـ (حم) لحاشيةٍ على المفصل منسوبةٍ للزمخشري نفسه، فلئن صحَّت نسبة الحاشية إليه فذلك إما براءةٌ مما نسب إليه، أو رجوع منه عما كان يعتقده0

وقدكتب الأستاذ الدكتور أحمد عبداللاه هاشم بحثاً عنوانه (قضية لن بين الزمخشري والنحويين) في ستٍ وأربعين صحيفة من القطع المتوسط ونشره في دار التوفيقيةبمصر عام 1979م ذهب في بحثه إلى أن تحريفاً وقع في بعض نسخ الأنموذج للزمخشري إذ يرى أن كلمة تأكيد تحرفت إلى تأبيد في بعض النسخ، لاسيما أن رسم الكلمتين متقارب، فبينهما ما يسمّى الجناس اللاحق، ثم حمل عليه معارضوه، وساعدهم على ذلك سوء معتقد الرجل 0

وأقول: الذي يظهر لي -والله أعلم - أن الرجل قد كتبها في النسخ القديمة من أنموذجه (التأبيد) ولم يقع في بعض النسخ تحريف، كما ذهب إليه الدكتور أحمد هاشم، ثم طارت تلك النسخ مع تلامذتة في الآفاق، وعزاها إلية ابن مالك وغيره بناء على تلك النسخ، والمعروف عن الزمخشري أنه كان باقعة في الدهاء فخشي ألا يُنْظَرَ في كتابه إن أبقاها، فغيَّرها في النسخ اللاحقة إلى تأكيد، ولاسيما أنَّ له في مثل هذا العمل سابقةً، إذ يُرْوَى أنه افتتح كتابه الكشاف بقوله: ((الحمد لله الذي خلق القرآن)) ([155]) فقيل له: إنْ أبقيتها لم ينظر أحد في كتابك فغيّرها

المطلب الثاني رأي الزمخشري

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير