وأما الجزم في هذا الباب، فهو مغتفر، فيجزم الفعل في جواب اسم فعل الأمر، تماما، كالفعل الأمر، فيقال: نزال نحدثْك، و: صه نسترحْ، لأن الجزم أضعف من النصب، فلا يشترط في عامله نفس قوة عامل النصب، فاكتفي فيه بأدنى ما يتحقق فيه معنى الأمر، ويدل على ذلك:
أن عامل الجزم ضعيف جدا، حتى عد النحويون حذفه مع بقاء عمله من أقبح الضرورات، كما في قول أبي طالب:
محمد تفدِ نفسك كل نفس ******* إذا ما خفت من شيء تبالا
على قول من قال بأن الفعل: "تفدِ" مجزوم بلام مقدرة، فأصل الكلام: محمد لتفد نفسك كل نفس ...........
بتصرف من حاشية "منتهى الأرب" على "شرح شذور الذهب"، ص239.
بينما عامل النصب: وإن كان الأصل فيه هو الآخر: الذكر، إلا أن عمله محذوفا أكثر من عمل الجازم محذوفا، كما في:
تسمعَ بالمعيدي خير من أن تراه: في رواية من نصب: "تسمعَ" استدلالا بـ: "أن" المذكورة في: "أن تراه" على المحذوفة في صدر الكلام.
وقول طرفة:
ألا أيهذا الزاجري أحضرَ الوغى ******* وأن أشهدَ اللذات هل أنت مخلدي؟!
فنصب: "أحضرَ" بـ: "أن" مقدرة دلت عليها المذكورة في: "وأن أشهدَ" في صدر الشطر الثاني.
وإلى ذلك أشار صاحب "فقه اللغة"، رحمه الله، بقوله في الفصل الأربعين: "مجمل في الإضمار يناسب ما تقدم من الحذف":
"من سنن العرب الإضمار إيثاراً للتخفيف وثقة بفهم المخاطب، فمن ذلك إضمار أن وحذفها من مكانها، كما قال تعالى: "ومن آياته يريكم البرق خوفاً وطمعاً" أي: أن يريكم البرق.
وقال طرفة من الطويل:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى ******* وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي؟!
فأضمر أن أولاً ثم أظهرها ثانياً في بيت واحد، وتقديره: ألا أيهذا الزاجري أن أحضر الوغى". اهـ
*******
واسم الفاعل:
فهو يعمل عمل مضارعه، فيختص بالحاضر والمستقبل.
فيعمل في المفعول المتأخر في نحو: محمد آكلٌ الطعام، ويعمل في المتقدم نحو: محمد الطعامَ آكلٌ، فهو أقوى من اسم الفعل الجامد، وبقية المشتقات التي تعمل عمل الفعل، ولكونه فرعا على الفعل: العامل الأصلي، فإن الضعف يدخله من جهة:
دخول لام التقوية على المفعول في نحو قوله تعالى: (وَآَمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ)، فيصح في غير القرآن: مصدقا ما معكم، ولكن اللام دخلت تقوية للعامل بخلاف الفعل فإنه يعمل مباشرة بلا تقوية، فيقال: يصدق فلان ما معك من الخبر، ولا يقال: يصدق فلان لما معك، وهذه اللام بخلاف لام التعدية في: آمن له، لأن الفعل: صدق: متعد بنفسه، والفعل: آمن: متعد بلام فيتعلق بالمخبر، وبالباء فيتعلق بالمخبر به، وفي التنزيل: (فَآَمَنَ لَهُ لُوطٌ)، فعداه باللام لتعلقه بشخص المخبر: الخليل صلى الله عليه وسلم، و: (آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ)، فعداه بالباء لتعلقه بالخبر المنزل، وقد أشار إلى ذلك ابن أبي العز، رحمه الله، في "شرح الطحاية" في بيان الفرق بين الإيمان والتصديق ردا على من سوى بينهما، فالإيمان: تصديق وزيادة، فيدخل في حده: الإقرار والانقياد، بخلاف التصديق فلا يلزم منه الانقياد، فقد يكون الإنسان مصدقا بشيء غير مقر به ولا منقاد له كحال المعاند الذي عرف الحق فرده، والإيمان لا يكون إلا بالغيب، بخلاف التصديق فهو يكون للغيب والشهادة.
يقول ابن هشام رحمه الله:
"ومنها، (أي: من أنواع اللام): اللام المسماة لام التقوية، وهي المزيدة لتقوية عامل ضعُفَ:
إما بتأخره نحو: (هُدًى ورحمة للذينَ هم لربِّهم يرهبون)، ونحو: (إن كنتم للرّؤيا تعبُرون)،
أو بكونه فرعا في العمل نحو: (مُصدِّقا لما معهم)، و: (فعّالٌ لما يريد)، و: (نزّاعةً للشَّوى)، ونحو: ضربي لزيدٍ حسن، (إن كان العامل مصدرا)، وأنا ضارب لعمرو (إن كان العامل اسم فاعل) ". اهـ
بتصرف يسير من "مغني اللبيب"، ص234.
¥