ويدخله الضعف أيضا من جهة: امتناع عمله في متقدم إن اتصلت به "أل" الموصولة، فهي تمنع ما بعدها من العمل فيما قبلها، لأن ما بعدها صلتها، ومن أحكام الصلة: ألا تتقدم هي أو معمولها على الموصول، لأنها الجزء المتمم لمعنى الموصول، فهو مفتقر إليها لبيان معناه، فلا يتقدم المفسر أو أحد متعلقاته على المبهم، لأن رتبته في الكلام أن يأتي تاليا للمبهم مظهرا لمعناه مزيلا لإبهامه، فهو كالجزء الثاني من المركب الإضافي، لا يأتي إلا بعد جزئه الأول، وهذا بخلاف الفعل الذي يعمل في المتقدم مطلقا.
ويدخله أيضا من جهة: اشتراط كونه للحال أو المستقبل، إذا تجرد عن: "أل"، فلا يقال: زيد ضارب عمرا بالأمس، وقد أجازه الكسائي وهشام، رحمهما الله، في قوله تعالى: (وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ)، فزمن البسط قد انتهى ومع ذلك عمل اسم الفاعل: "باسط" في المفعول: "ذراعيه"، وأجاب الجمهور بأنه عمل هنا: حكاية للحال، فاستحضرت الصورة الماضية في الزمن المضارع، كما في:
قوله تعالى: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)، فتقدير الكلام: ثم قال له: كن فكان، فجاء بالمضارع استحضارا للصورة، لأن الآية نزلت في جدال النصارى الذين غلوا في المسيح صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فاستحضار الصورة يقرب الأمر إلى عقولهم فكأنه رأي عين، وفي هذا إبطال لمعتقدهم الفاسد.
وقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ)، ففي غير القرآن يقال: فأصبحت الأرض مخضرة.
فالمعنى الأصلي قد أُدِيَ، فعرف السامع أن الله، عز وجل، أنزل من السماء ماء صير الأرض مخضرة، بإذن الله، فنسبة الإنبات إلى الماء: مجاز إسنادي، فالمنبت حقيقة، هو الله، عز وجل، ولكن التعبير عن الماضي بصيغة المضارع أفاد استحضار الصورة، وكأن المطر قد نزل الآن فأصبحت الأرض مخضرة، وهذا معنى تابع لا يدرك ابتداء من مبنى الكلمات التي صيغت منها الجملة.
وإلى ذلك أشار أبو السعود، رحمه الله، بقوله:
" {فَتُصْبِحُ الأرض مُخْضَرَّةً} بالعطف على أنزلَ، وإيثار صيغةَ الاستقبالِ للإشعارِ بتجدُّدِ أثرِ الإنزالِ واستمرارِه أو لاستحضارِ صورةِ الاخضرارِ". اهـ
ويشترط لهذا النوع أيضا: اعتماده على:
نفي:
كقول الشاعر:
مَا رَاع الْخِلاَّنُ ذِمَّةَ نَاكِث ******* بَلْ مَنْ وَفَى يَجِدُ الْخَلِيلَ خَلِيلاَ
فرفع اسم الفاعل: "راع"، الفاعل: "الخلان"، ونصب مفعوله: "ذمةَ".
أو: استفهام:
كقولك: أضارب زيدٌ عمراً.
أو اسم مخبر عنه باسم الفاعل: كقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ)، في قراءة من نون: "بالغٌ"، ونصب "أمرَه"، فعمل اسم الفاعل: "بالغ" لاعتماده على لفظ الجلالة: "الله" الاسم المخبر عنه به.
أو اسم موصوف باسم الفاعل: كقولك: مرت برجل ضاربٍ زيداً، فعمل اسم الفاعل: "ضارب" لكونه نعتا لـ: "رجل".
وقد يكون الاستفهام الذي يعتمد عليه اسم الفاعل المجرد من "أل" مقدرا كقول الشاعر:
ليت شعري مقيمٌ العذرَ قومي ******* لي أم هم في الحب لي عاذلونا
فاعتمد اسم الفاعل: "مقيم" العامل في المفعول: "العذر" على استفهام مقدر، فمعنى البيت: ليت شعري أمقيم العذر ........ ، يؤيد ذلك أن جملة: "ليت شعري" لابد أن تتبع باستفهام يسد مسد خبرها، في قول، أو يكون محذوفا في قول آخر، فيكون تقدير الكلام: ليت شعري حاصل أو موجود.
وضابط المسألة أنه كلما زادت شروط العمل: دل ذلك على ضعف العامل، ولذا اشترط في عمل: "ما" النافية وأخواتها، على سبيل المثال، ما لم يشترط في عمل "ليس"، مع أنهن فرع عليها في المعنى، فكلهن يستعملن في النفي، ولكن "ليس" تعمل مطلقا بخلافهن.
*******
واسم المفعول:
¥