تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فإن كان أجاب بإذا هو هي، فقد أصاب لفظًا ومعنًى، ولم تدخل عليه في جوابه شُبْهة، ولا علقة لمعترض؛ لأن «إذا» في المسألة من حروف الابتداء المتضمّنة للتعليق بالخبر، فإذا اعتبرت المضمرين بعدها بالاسمين المظهرين لزمك أن تقول «فإذا الزنبورُ العقربُ» أو «اللسعة اللسعة» أي مثلها سواء، فلو قلت «فإذا هو إياها» بنصب الضمير الأخير للزمك أن تقول: فإذا الزنبورُ العقربَ، بالنصب، وهذا لا وجه له، فإذا لم يجز نصب الخبر المظهر فكيف يجوز نصب الخبر المضمر الواقع موقعه؟

ويروى في المسألة أنَّ الكسائي أو الفراء قال لسيبويه بعد أن أجاب برفع الضميرين على ما يوجبه القياس: كيف تقول يا بصري «خرجت فإذا زيد قائم، أو قائمًا؟»

فقال سيبويه: أقول «قائم» ولا يجوز النصب، فقال الكسائي: أقول قائم وقائمًا، والقائمُ والقائمَ، بالرفع والنصب في الخبر مع النكرة والمعرفة، فتأول الكسائي والفراء في اختيارهما «فإذا هو إياها» حمل الخبر المضمر في النصب على الخبر المظهر المعرفة مع الإعراب بوجه النصب، فكأنه قال: فإذا الزنبور العقربَ، كما تقول: فإذا زيد القائمَ، فيجري المعرفة في النصب مجرى النكرة.

وقولُهما في هذا خطأ من جهتين:

إحداهما: أنَّ نصب الخبر بعد إذا لا يكون إلاّ بعد تمام الكلام الأول في الاسم مع حرف المفاجأة، ومع كون الخبر نكرة، كقولك: خرجت فإذا زيد قائمًا؟ لأنك لو قلت «خرجت فإذا زيد» تمَّ الكلام، لتعلّق المفاجأة بزيد على معنى حضوره، ثم تُبَيِّن حاله في المفاجأة المتعلّقة به فتقول «قائمًا» أي: خرجت ففاجأني زيد في هذا الحال،

وقوله في المسألة «إياها» لا يتم الكلام في الاسم الأول دونها، أَلاَ ترى أنك لو قلت «ظننتُ أنَّ العقرب أشدُّ لسعة من الزنبور فإذا هو» وسكتَّ، لم يتمَّ الكلام أولاً، ولا أفدت بذكر المفاجأة وتعليقها بالزنبور فائدة، وإنما المفاجأة للضمير الآخر، فلا بُدَّ من ذكره والاعتماد عليه، وهذا يوجب الرفع في الخبر؛ لأنَّ الظرف له، لا للمخبر عنه، فهذا بيِّنٌ واضحٌ،

والجهة الأخرى في غلطهما أنَّ «إياها» معرفة، والحال لا تكون إلاَّ نكرة، فقد اجتمع في قولهما أن أتَيَا بحالٍ لم يتمَّ الكلامُ دونها، معرفة، والحال لا تكون إلاَّ بعد تمام الكلام ومع التنكير، فقد تبيّن خطؤهما وإصابة سيبويه في لزوم الرفع في الخبر فقط.

وأما من زعم عن سيبويه أنه قال «خرجت فإِذا زيد قائم» بالرفع لا غير فباطلٌ، وكيف يُنْسب إليه وهو عَلَّمنا أنَّ الظرف إذا كان مستقرًّا للاسم المخبر عنه نصب الخبر، وإذا كان مستقرًّا للخبر رفع الخبر، ونحن نقول «خرجت فإذا زيد» فيتمّ الكلام، و «نظرت فإذا الهلال طالع» فيتبعه الخبر رفعًا، كما تقول «في الدار زيد قائمٌ، وقائمًا» و «اليوم سيرك سريع، وسريعًا» ولكن الخبر إذا كان الظرف له ولم يتعلّق إلاَّ به لم يكن إلاَّ رفعًا، كقولك «اليوم زيد منطلق، وغدًا عمرو خارج»؛ لأنَّ الظرف لا يكون مستقرًّا للاسم المخبر عنه إذا كان زمانًا، والمخبرُ عنه جُثَّة،

وكذلك المفاجأة إذا كانت للخبر لم يكن إلاَّ مرفوعًا، معرفة كان أو نكرة، فإذا كانت للمخبر عنه والخبر نكرة انتصب على الحال، فجرى قولُك «ظننت أنَّ العقربَ أشدُّ لسعةً من الزنبور فإذا هو هي، وطننتُ زيدًا عالمًا فإذا هو جاهل» في لزوم الرفع في الخبر مجرى «اليوم زيد منطلق، وغدًا عمرو خارج» كما جرى «خرجت فإذا زيد قائم، وقائمًا» في جواز الرفع والنصب مجرى «في الدار زيد جالس، وجالسًا» فتأمّلِ الفرق بينهما وحَصِّلْه،

فإنَّ النحويين المتقدمين والمتأخرين قد أغفلوا الفرق بين المفاجأتين.

وأَمَّا نصب الخبر المعرفة بعد إذا، تمّ الكلام أو لم يتمَّ، فباطل لا تقوله العرب، ولا يجيزه إلاَّ الكوفيون.

وإن كان سيبويه، رحمه الله تعالى، أجاب بقوله «فإذا هو إياها» كما روى بعضهم فظاهر جوابه مدخول؛ لما قدمت، والخطأ فيه بيِّن من جهة القياس كما ذكرنا،

فإن كان قاله والتزمه دون الرفع فقد أخطأ خطأ لا مخرج له منه،

وإن كان قد قاله وهو يرى أن الرفع أولى وأحقّ، إلاَّ أنه آثر النصب للإعراب حملاً على المعنى الخفي، دون ما يوجبه القياس واللفظ الجلي، فلجوابه عندي وجهان حسنان:

أحدهما:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير