يغمرني الشوق للقائك، وتزداد سعادتي بضيائك.
فقد سعدتُ بمتابعة مشاركاتك المثمرة، مع عبير ليالٍ مقمرة، تتراقص نجوم سمائها طربا، فأسعى إليها شوقًا ورغَبَا.
ولا أراني جديرًا بمحاورتك، إنما هي بعض الكلمات المتواضعة، لعلَّ الله يدني سَعيها، ويصلح عَيبَها.
قلتَ: (هناك قاعدة تقول: إن الخبر يجب أن يطابق المبتدأ)
كلمة " يطابق "، كلمة عامَّة، فالتطابق يعني عدَّة معانٍ:
وأظنُّك تقصد " الإفراد والتثنية والجمع، كما يدلُّ عليه سياق الكلام.
نعم، أستاذي الفاضل، لعلَّ لك وجهة نظر قويَّة، إلاَّ أنَّ هذه القاعدة ليست مطَّردة.
جاء في " النحو الوافي ":
(وقد تختلف المطابقة بين المبتدأ المتعدد الأفراد والخبر المفرد، إذا كان المبتدأ متعدد الأفراد حقيقة، ولكنه يُنزَّل منزلة المفرد، بقصد التشبيه أو المبالغة، أو نحوهما، سواء أكان بمنزلة المفرد المذكر أم المؤنث، وقد اجتمعا في قولهم: " المقاتلون في سبيل الله رجل واحد "، وهم يدٌ على مَن سواهم ".
وقولهم: التجارِبُ مُرشِدٌ حكيمٌ، والمنتفعونَ بإرشادِه قلعة ترتدُّ دونها الشدائدُ ".
ومن أمثلة التعدد الحقيقي أيضًا، قول الشاعر:
المجدُ والشرفُ الرفيعُ صحيفةٌ * جُعِلتْ لها الأخلاقُ كالعنوانِ) انتهى
هذا بالنسبة للتعليق على القاعدة، أما بالنسبة لكون كلمة " الرحماءُ " خبرًا عن مثنَّى، فالمقصود جنس الأب والأم، وليس المقصود ذاتهما، فالخبر عن معنى الجمع، لا عن التثنية.
أرأيتَ قوله تعالى: {والملائِكَةُ بَعدَ ذلكَ ظَهيرٌ}، و {ظهير} خبر الجميع، وهو واحد في معنى الجمع، أي: ظهراء.
ولكن، قد يقول قائل: صحَّ الإخبار به لأنه على " فعيل "، ولا حجَّةَ لك في هذا.
قلتُ، نعم، هذا صحيح، فما تقول في قوله تعالى: {سَيكفُرونَ بِعبادتِكُم ويكونونَ عليكم ضِدًّا}، و {ضدًّا} واحد في معنى الجمع، والمعنى أن جميعهم في حكم واحد، لأنهم متفقون على الإضلال.
قال الله عز وجل: {وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ}، الكهف 50
بمعنى أعداء، وقال تعالى: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ ?لْعَدُوُّ}،المنافقون 4
وقال تعالى: {ولا تكونوا أوَّلَ كافرٍ بهِ}، {كافر} لفظه واحد وهو في معنى الجمع، أي أول الكفار كما يقال هو أحسن رجل.
وقال تعالى: {وجعلنا ابنَ مريمَ وأمَّه ءايةً}، المؤمنون 50
وإفراد الآية لأنه أريد بها الجنس، وحيث كان المذكور ذاتين فأخبر عنهما بأنهما آية، عُلِم أن كل واحد آيةٌ خاصة.
وقوله تبارك وتعالى في سورة الحجِّ: {ثمَّ نُخرِجُكُم طِفلاً} آية 5
{طفلاً} حال، وهو واحد في معنى الجمع، وقيل التقدير: نخرج كل واحد منكم طفلاً.
وأخيرًا، قال الله - عزَّ وجلَّ – في الحجِّ أيضًا: {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ} آية 27
لأن معنى {ضامر} معنى ضوامر، {يَأْتِينَ} صفة لـ {ضَامِرٍ} محمولة على معناه.
أرأيتَ – أستاذي الفاضل – كيفَ حَفِظ لنا القرآنُ اللغةَ واتِّساعها.
غير أني ما زلتُ أرَى أنك قد أخطاتَ الهدف في العثور على درر ثمينة، ولا بدَّ لك من استئناف البحث مرةً أخرى.
دمتَ بكلِّ الودِّ والتقدير
مع عاطر التحايا
ـ[قمر لبنان]ــــــــ[21 - 11 - 2004, 10:10 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
زيارة قصرت لكنها ازدهرت ... وقد تطول زيارات ولا ثمر
وقد تبوح جراح بالذي حملت ... من الحنين ولا ينتابها خور
تعال يا جرح نبني العمر ثانية ... فكلنا برياح الشوق مؤتزر
أستاذي الفاضل حازم أدامك الله لهذا المنتدى ذخرا وجعلك بين الناس عطرا
بالنسبة للقاعدة التي نقلتها عن صاحب النحو الوافي
لقد راجعتها وعرفت أنها تنسف كلمة (يجب) الواردة في استفساري نسفا (أن الخبر يجب أن يطابق المبتدأ) وهذه القاعدة نقلتها عن الغلاييني (جامع الدروس العربية).
لكن القاعدة هذه رغم أنها تنفي التطابق المطرد بين المبتدأ والخبر لكنها لا تثبت ما سألناك عنه
فقد ورد في قاعدة صاحب النحو الوافي (لكنه ينزل منزلة المفرد، بقصد التشبيه أو المبالغة ... ) وواضح من المثال: المقاتلون في سبيل الله رجل واحد ...
فكلمة رجل نزلت بمنزلة الواحد (المفرد) بقصد المبالغة ولكن يبقى السؤال: كلمة (الرحماء) في صيغة الجمع لم تنزل منزلة المفرد.
أما بالنسبة للآيات التي استشهدت بها فقد لاحظت ملاحظة لا أدري إن كنت على صواب فيها وهي أن الخبر الوارد في هذه الآيات بصيغة المفرد (ظهير، ضدا، عدو، العدو، كافر، آية)، وكذلك وردت كلها نكرة باستثناء
(العدو)
وكذلك المبتدأ أو ما أصله مبتدأ بصيغة الجمع (الملائكة، ويكونون، وهم، يحسبون، تكونوا، جعلنا). ألهذه الملاحظة عندك إجابة؟
أتستطيع أن تستشهد بأمثلة أخرى يكون المبتدأ فيها بصيغة المفرد أو المثنى والخبر بصيغة الجمع؟ كما ورد في بيت شوقي (هذان في الدنيا هما الرحماء)، وأكون لك من الشاكرين
وأنا ما أزال أنتظر مزيدا من دررك الثمينة
ودمتم
¥