ـ[حازم]ــــــــ[28 - 11 - 2004, 11:18 ص]ـ
فَهَذي أصُولُ القَومِ حالَ اطِّرادِها * أجابتْ بِعَونِ اللهِ فَانْتَظَمتْ حُلَى
وإنِّي لأرْجوهُ لِنَظْمِ حُروفِهِمْ * نَفائِسَ أعْلاقٍ تُنَفِّسُ عُطَّلا
سَأمْضي علَى شَرطي وبِاللهِ أكْتَفي * وما خابَ ذو جِدٍّ إذا هُوَ حَسْبلا
أستاذي الألمعي الحبيب / " قمر لبنان "
حَفظَك ربِّي ولا زلتَ في عِزِّ طاعته مُنعَّما، وبأقدارِه راضيًا مُسْتسْلما، وعند خَلْقهِ عزيزًا مُكرَّما.
قد – والله – سعدتُ بعلمك المتين، وبراعتك في التحليل والتبيين، هامتُك لا تُطال، وحُجَّتك لا تُغتال، أشرقتَ علينا ببيانٍ طَريّ، وعلم سَخيّ، وحرفٍ نَديّ، لم أسأم الإطالةَ ولو أطلتَ، ولم أملَّ القراءةَ ولو أكثرتَ، بارك الله فيك، وفي علمك، ونفعني ونفع بك.
أستاذي الكريم: لم يقتصر كلامي البسيط، على عدم اطِّراد قاعدة مطابقة الخبر للمبتدأ، بل تعدَّى ذلك ليشمل أجزاء الجملة العربية الفصيحة، من نعتٍ وحال ومفعول وضمير، فإني بصدد إثبات مجيء مثل هذه الصياغة، ونحو هذا الأسلوب، وإنَّ كثرةَ الشواهد، وتنوُّعَ الأدلَّة، ليوحي للمرء بأنه شائع، وواضح وضوح الشمس، لذلك لا يمجُّه السَّمع، ولا يَنفِر منه الطبعُ السليم.
وسينقسم هذا الردَّ المتواضع إلى أقسامٍ ثلاثة:
تعليل الإخبار بالجمع عن المثنى، الذي هو محور هذه القضية.
الإجابة عن بعض الإيرادات التي أثرتها في ردك السابق.
الإجابة – قدر الاستطاعة – عن استفساريك السابقين.
فأقول – وبالله توفيقي -:
إنَّ النكرتين – محل البحث – " أبٌ وأمٌ، هذان هما الرحماءُ " لا يُقصد بهما لفظهما، وإنما يُقصد بهما جنس الآباء والأمهات، فكأنه أعاد الضمير مثنى إلى اللفظين، ثمَّ أخبر عن معناهما بالجمع، وقد عُلِم أنَّ الإخبار بالجمع عن مثنى له أصل في اللغة، فالأصل ثابت، والتعليل متعدِّد.
قال العلاَّمة أبو شامة في " إبراز المعاني ":
(والفردُ إذا أريد به الجمع، جاز وصفُه بالجمع، نحو قوله تعالى: {مُتَّكِئينَ علَى رَفْرفٍ خُضْرٍ وعَبقَرِيٍّ حِسانٍ}) انتهى
وقال تعالى: {وإن تَعُدُّوا نِعمةَ اللهِ لا تُحصوها} سورتي النحل وإبراهيم.
النعمة يراد بها النعم، لا نعمة واحدة، يدل على ذلك قوله تعالى: {وإِن تَعُدُّوا} وقوله: {لا تُحْصوها}
وجاء في " البحر المحيط "، عند قوله تعالى: {اذْهَبْ أنتَ وأخوكَ بِآياتي} طه 42.
(ظاهر {بِآياتي} الجمع. فقيل: هي العصا واليد وعقدة لسانه، وقيل: اليد والعصا. وقد يطلق الجمع على المثنى، وهما اللتان تقدم ذكرهما ولذلك لما قال: {فأْتِ بآية}، ألقى العصا ونزع اليد، وقال: {فذانِكَ بُرهانانِ}) انتهى
وأنشد الأخفش:
لمَّا أتتنا المرْأتانِ بالخَبَرْ * فَقُلْنَ إنَّ الأمرَ فينا قد شُهرْ
فالعرب قد تعبِّر بلفظ الجمع عن المثنى، لأن صيغة الجمع قد تطلق على الاثنين في الكلام، فهما يتعاوران.
أستاذي الفاضل، بالنسبة للشواهد السابقة، أرَى أنَّ الأمر قد أشكل عليكم في شواهد الإخبار بالفرد عن الجمع، حيث قلتم: (ألا يدل هذا على أن الخبر أنزل منزلة المفرد لداع بلاغي، وهذا واضح من روح نص صاحب النحو الوافي: " ولكنه ينزل منزلة المفرد ")
قلتُ: الخبر في الشواهد المذكورة جاء مفردًا، فكيف يقال: إنه أنزل منزلة المفرد؟!!
وما جاء في " النحو الوافي ": أنَّ المبتدأ هو الذي يُنزَّل منزلة المفرد ليتطابق مع الخبر.
وقولك بعد سرد بعض الشواهد القرآنية التي كان الإخبار فيها بالفرد عن الجمع: (ألا يدل هذا على أن الخبر أنزل منزلة المفرد لداع بلاغي)
أقول: كل كلمة في القرآن العظيم وردت بحكمة بالغة، وفصاحة بلاغية معجزة.
ولستُ وراء تفصيل هذه الحِكم البلاغية، إنما كلامي كله يدور حول عدم وجوب تطابق المبتدأ والخبر في الإفراد والجمع، مهما اختلفت الصيغ والأسباب.
ففي المثال الأول، قال أهل العلم: إنَّ كلمة " ظهير " على وزن فعيل، حيث يُخبر به عن الواحد فما أكثر.
وفي الثاني والثالث، " ضِدًّا "، " عدوٌّ "، الضد يكون واحدًا ويكون جمعًا، كالعدوِّ والرسول، وقيل: وقع الضد موقع المصدر، فلهذا لم يجمع.
¥