قال ابن جنِّي – رحمه الله – في " الخصائص ": (وإذا فشا الشيءُ في الاستعمال وقوى في القياس، فذلك مالا غاية وراءه) انتهى
وقال أيضًا: (واعلم أنَّ من قوة القياس عندهم، اعتقاد النحويين أنَّ ما قيس على كلام العرب فهو عندهم من كلام العرب) انتهى
وقال أبو عثمان المازني: (ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب، ألا ترى أنك لم تسمع أنت ولا غيرُك اسم كل فاعل ولا مفعول، وإنما سمعتَ البعض فقست عليه غيره، فإذا سمعت " قام زيد "، أجزت " ظرف بشر "، " وكرم خالد ") انتهى
وأما قول الأستاذ الفاضل " قمر لبنان ": إنه لا بدَّ من إجماع علماء النحو، الكوفيين والبصريين، وذلك لإثبات أنَّ كلمة " الغير " عربية.
أقول: نوَّر الله " القمر "،: ما رأيك في أكثر مسائل النحو القائمة الشائعة، هل حُكِيَ فيها الإجماع؟
أقول: إن أجبتَ بالإيجاب، فقد جهلتَ مذاهبَ القوم، ولا بدَّ لك من الرجوع إلى كتب النحو للاطلاع والتعلَّم.
وإن أجبتَ بالنفي، فقد خُصمتَ وحُججتَ، وصار دليلك حجَّة عليك، لا لك.
وأقول: على نفسِها جَنتْ " براقش "، وأقول أيضًا: حظًّا أوفر في المرَّة القادمة يا " براقشُ ".
وأما قولك: إنَّ الشريف الرضي لجأ إلى استعمال كلمة " الغير " في شعره ضرورة.
أقول: هذا كلام عجيب، لا يقبله العقل السليم، فالضرورة المزعومة تجوز لو أنه استعمل الكلمة مضافة، وأدخل عليها " أل ".
ولذا، فقد ظهر واضحًا أنَّ تعليلاتك مريضة جدًّا، قد شُلَّت أركانُها، وانعقد لسانُها، فهي لا تستطيع الحركة، فضلاً أن تزحف على أربعتها.
وأخيرًا، أما قولك: (أتجرأ وأقول: لا يجوز أن تدخل أل على كلمة " غير ")
أقول: الحمدُ لله، فقد ظهر من استخدامك لكلمة " أتجرَّأ "، أنَّ الأمر أمامه عوائق، ودونه ثوابت وحقائق.
أما نحن فقد قلنا: إنه قد صحَّ استعمال كلمة " الغير " مطلقًا.
وقد قلناها بكل ثقة وثَبات، فكانت ثابتة في " اللسان "، راسخة في البيان، وهذا من توفيق الكريم المنَّان.
وأما بالنسبة لاستخدام كلمة " النفس " قبل المؤكَّد، فهو أيضًا استعمال صحيح، فهذا التركيب قد صحَّ استعماله، ويوجَد شواهد لذلك، في " عصر الاستشهاد "، غير أني لن أذكر دليلاً واحدًا على ذلك، أتدري لماذا؟
لسببين:
الأول: سأستدلُّ بالقياس، وذلك لتأصيل هذه القاعدة العظيمة.
الثاني: أنني لا أريد أن أذكر الدليل، وأقدمُّه جاهزًا مصنوعًا على طَبقٍ، فيستوي في إدراكه المبتدئ مع غيره.
ولا أريد أن أُخاطب مَن يظنُّ أنَّ العدد " اثنين " ينتج من إضافة العدد واحد إلى نظيره، فحسب.
بل أريد أن أتناقش مع مَن يتَّسع إدراكه، ويفهم أنَّه يمكن الحصول على العدد " اثنين ": من مربَّع جذره التربيعيّ، كما أنّ أيّ عدد، ينتج من مربَّع الجذر التربيعيّ للعدد نفسِه، وإن شئت فقل: لنفس العدد.
وعليه أقول: إن كلمة " نفس " وكلمة " عين " سواء في الحكم، فإذا ثبتَ الحكم لكلمة " عين " فقد ثبت لكلمة " نفس "، أليس كذلك؟
ورد في صحيح البخاري
حدثنا إسحاق، حدثنا يحيى بن صالح، حدثنا معاوية هو بن سلام عن يحيى، قال: سمعت عقبة بن عبد الغافر أنه سمع أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال ثم جاء بلال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بتمر برنيٍّ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - من أين هذا؟ قال بلال: كان عندنا تمر رديٌّ فبعتُ منه صاعين بصاع لنطعمَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: أوَّه أوَّه، عينُ الربا، عينُ الربا، لا تفعل، ولكن إذا أردت أن تشتريَ فبعِ التمرَ ببيع آخر ثم اشترِ به.
فهذا أفصح الْخَلق، وأبلغهم بيانًا – صلَّى الله عليه وسلَّم – قد قال: " عينُ الربا "، ولم يقل: الربا عينه.
ولا أرّى أنك تحتاج لدليل بعد هذا الدليل، ولو فتَّشتَ في أبيات " عصر الاستشهاد " لوجدتَ أكثر من دليل.
ختامًا، أتوجَّه إلى الأستاذة الكريمة / " محبة اللغة العربية " ببالغ شكري وتقديري، وأرجو أن تستمرَّ في إثراء هذه الصفحات الناصعة، التي ازداد إشراقها بطرحها المميَّز، وباختياراتها الموفَّقة، وازدانت بعلمها النقيّ، وبقلمها السخيّ.
زادك الله علمًا ونورًا وتوفيقًا.
¥