" أبا حازمْ " فلا تَعجَلْ عَلينا * وأنْظِرْنا نُخَبِّرْكَ اليقينا
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
الأستاذ الفاضل / " أبو حازم "
قد – والله – أسعدتني كلماتُك حول حبِّك لعلم النحو، زادك الله هدًى وتوفيقًا.
وتدلُّ مشاركاتك وإجاباتك على متانة علمك – ما شاء الله -، غير أنه ما تزال هناك بعض الاستفهامات حول ردِّك الأخير.
قلتَ – رعاك الله -: (ولكن المنكر أن كثيرا من النحاة قد أدخلوا فيه ما ليس ينفع، بل ما ليس عليه دليل أصلا إلا ما ينقله تقليدا بعضهم عن بعض (
أليس قولكَ: " كثيرًا من النحاة " فيه غلوٌّ وإجحاف؟
ثمَّ هلاَّ أفصحتَ عن هؤلاء النحاة الكثيرين – حسب رأيك -، وما الذي أدخلوه في علم النحو، من المسائل التي لا نفع فيه، ولا دليل عليها أصلا؟
فقد أطلقتَ الدعوَى، ولا بدَّ من البيِّنة، فينظر فيها القوم، ومن ثمَّ يتضِّح الصواب من الخطأ.
ثمَّ قلتَ: (وممَّن تصدوا لتنقية النحو مما لا يحتاج إليه في كتاب خاص ابن مضاء الأندلسي)
قلتُ: هذا ينبني على قولك السابق، وننتظر توضيحك لتلك المسائل التي زعمتَ أنها تحتاج إلى تنقية.
ثمَّ أفصحتَ عن المسألة محل البحث، بقولك: (وممَّن رد على النحاة أيضا شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه الفذ ابن القيم، وكان مما رده عليهم قولهم الكلمة في اللغة قول مفرد)
قلتُ، نعم، قد ذكر شيخ الإسلام، ابن تيمية – رحمه الله – في أكثر من موضع، رأيه حول المقصود بالكلمة، ومن ذلك ما جاء في كتابه " الجواب الصحيح "، " الفتاوى الكبرى "، وغير ذلك.
وهذا اجتهاد منه – رحمه الله رحمة واسعة -، غير أنَّ المتتبِّع لكلامه في كتاب " الفتاوى الكبرى "، يجد أنه خشيَ أن يظنَّ قوم أنَّ ذكر الله تعالى يكون بالكلمة المفردة، فيكون ذلك وسيلة إلى أنواع من البدع والضلالات، وذريعة إلى تصورات أحوال فاسدة من أحوال أهل الإلحاد وأهل الاتحاد.
ولذلك ساق – رحمه الله – الأدلة من الكتاب والسنَّة، على أنَّ المقصود بالكلمة: الجملة التامة. ومع ذلك، فقد ذكر – رحمه الله – أنَّ النحاة قد اصطلحوا على أنَّ الكلمة قول مفرد، وهي اسم وفعل وحرف.
وإضافة إلى ما ذُكر، أقول: إنَّ إطلاق الكلمة على صيغة المفرد، إنما هو على الأصل، فالكلمة هي مفرد، ولا نحتاج إلى دليل لإثبات ذلك، ولا أحد يستطيع أن يستغني عن صرفها عن المفرد، حتى شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله، فقد ذكر في كتابه " مجموع الفتاوى ":
(فإن " ذات " هي في الأصل تأنيث ذو، وأصل الكلمة ذات الصفات، أي النفس ذات الصفات، فلفظ الذات معناه الصاحبة والمستلزمة للصفات هذا من جهة اللفظ) انتهى
فقد أطلق على " ذات " كلمة، وهذا ما ذهب إليه النحاة – رحمهم الله.
وأما اصطلاحهم، فهو تقسيم الكلمة إلى اسم وفعل وحرف.
فلفظ الكلمة معروف عند العرب، قبل مجيء الإسلام، لكن تقسيم الكلمة، لم يُعرف إلاَّ بعد وضعه من النحاة.
والصحيح، أنَّ كل علم النحو، لم يُعرف إلاَّ بعد أن اصطلح عليه النحاة المباركون، فهل تظنَّ أنَّ العرب كانت تعرف الإعراب، أو علم الصرف؟
ولعلِّي أُقَوِّي هذا الرأي، وهو أنَّ الكلمة تُطلق على المفرد، بما جاء في كتاب الله تعالى: {إنَّ اللهَ يُبشِّرك بكلمةٍ منه} سورة آل عمران.
فإن قلتَ: أين الشاهد من هذا؟
قلتُ: قد قال اللهُ تعالى: {إنَّ مَثلَ عيسَى عندَ اللهِ كَمَثلِ ءَادمَ خَلقَهُ مِن تُرابٍ ثمَّ قالَ لهُ كُنْ} سورة آل عمران.
فقد خَلقَ الله عيسَى بكلمة واحدة، وهي " كُن " فعل أمر، أفلا يصحُّ هذا أن يكون دليلاً واضحًا على صحة إطلاق الكلمة على المفرد؟
أما قولك: (وتلميذه الفذ ابن القيم، وكان مما رده عليهم قولهم الكلمة في اللغة قول مفرد)
قلتُ: أتحفظُ لنا موضعًا لابن القيم – رحمه الله – يفيد ذلك؟
فحسب علمي – والله أعلم – أنه لم يُنقل عن ابن القيم – رحمه الله – قولٌ يوافق ما ذكرتَه، ومع ذلك فنحن بانتظار ما تنقله لنا، لننظر فيه.
وقولك – يا أستاذي الكريم -: (والعجب من أخي حازم، كيف لم يتنبه لهذا، وذهب يستدل بالآية على إطلاق الكلمة على القول المفرد)
قلتُ، لعلِّي لم أستطع أن أبيِّن ما أراه، عفا الله عني، غير أنك إذا رجعتَ إلى ردِّي السابق، فستجد أنني لم أستدل بالآية على ذلك، بل ما قلتُه هو أنَّ إطلاق الكلمة – وهي مفرد – على الكلام، - وهو جمع، جاء على غير الأصل، لكنَّ ذلك صحيح، لأنَّ القرآن العظيم قد ورد به، وهو أبلغ الكلام وأفصحه، وجاء أيضًا في كلام أفصح العرب – صلَّى الله عليه وسلَّم -، ولا يمكن لأحد أن يردَّ هذا القول، بل أجمع النحاة على قبوله، وهو صحيح ثابت، حقيقة لا مجاز.
وأقول أيضًا: بارك الله فيك، على نقلك لعدَّة شواهد حول هذا المعنى.
ختامًا، أسأل الله أن يُريَنا الحقَّ حقًّا، ويرزقَنا اتِّباعَه، وأن يُريَنا الباطِلَ باطلاً، ويرزقَنا اجتنابَه.
دمتَ في رعاية الله، مع عاطر التحايا
¥