هدأتهما .. وأنا أشعر بمرارة المعاناة وبدأت أنا الآخر بالبكى ولكن حاولت أن أتمالك نفسي وأن أكظم ما
استطعت ولكي لايفقدان الثقة بأمهما قلت ولكن أمكما تحبكما .. أليس كذلك!؟
قال ياسر: إيه .. إيه .. إيه .. وأنا أحبها وأحبها وأحبها .. لكن أبي!! وزوجته!!
ثم استرسل في البكاء!!
قلت له: ما بكما ألا ترى أمك يا ياسر!؟
قال: لا .. لا .. أنا من زمان ما رأيتها .. أنا يا أستاذ أريد أن أراها ولو مرة\ أرجوك يا أستاذ!!
قلت: ألا يسمح لك والدك بالذهاب إليها؟
قال: كان يسمح لكن عندما تزوج ما عاد يأذن لي!!!
قلت له: يا ياسر.
زوجة أبيك مثل أمك .. وهي تحبكم!!
قاطعني ياسر: لا .. لا. يا أستاذ أمي أحلى .. هذي تضربنا .. ودائما تسب أمنا!!
قلت له: ومن يتابعكما في الدراسة!؟
قال: ما فيه أحد يتابعنا ..
وزوجة أبي تقول له إنها تدرسنا!!
قلت: ومن يجهز ملابسكما وطعامكما؟
قال: الخادمة .. وبعض الأيام أنا!! لأن زوجة أبي تمنعها وتجعلها تنظف البيت!!
وأنا اللي أجهز ملابسي وملابس أيمن مثل اليوم!
اغرورقت عيناي بالدموع فلم أعد استطيع كظمه .. !
حاولت رفع معنوياته.
فقلت: لكنك رجل ويعتمد عليك!
قال: أنا ما أبي منها شيء!
قلت: ولماذا لم تلبسا لبس شتوي في هذا اليوم؟ قال: هي منعتني!! قالت: خذ هذي الملابس وروحوا الآن للمدرسة ..
وأخرجتني من الغرفة وأقفلتها!
قدم المعلمون والطلاب للمدرسة.
قلت لياسر بعد أن أدركت عمق المعاناة والمأساة
التي يعيشها مع أخيه: لا تخرجا للطابور
وسأعود إليكما بعد قليل
خرجت من عندهما ..
وأنا أشعر بألم يعتصر قلبي ..
ويقطع فؤادي!
ما ذنب الصغيرين!؟
ما الذي اقترفاه؟
حتى يكونا ضحية خلاف أسري .. وطلاق .. وفراق!!
أين الرحمة!؟
أين الضمير!؟
أين الدين!؟
بل أين الإنسانية!؟
قررت أن تكون قضية ياسر وأيمن .. هي قضيتي!!
جمعت المعلومات عنهما.
وعن أسرة أمهما ..
وعرفت أنها تسكن في الرياض!!
سألت المرشد الطلابي بالمدرسة عن والد ياسر وهل يراجعه!؟
أفادني أنه طالما كتب له واستدعاه .. فلم يجب!!
وأضاف: الغريب أن والدهما يحمل درجة الماجستير ..
قال عن ياسر: كان ياسر قمة في النظافة والاهتمام.
وفجأة تغيرت حالته من منتصف الصف الثالث!!
عرفت فيما بعد أنه منذ وقع الطلاق!!
حاولت الاتصال بوالده .. فلم أفلح ..
فهو كثير الأسفار والترحال ..
بعد جهد .. حصلت على هاتف أمه!!
استدعيت ياسر يوما إلى غرفتي
وقلت له: ياسر لتعتبرني عمك أو والدك ..
ولنحاول أن نصلح الأمور مع والدك ..
ولتبدأ في الاهتمام بنفسك!!
نظر إليَّ ولم يجب وكأنه يستفسر عن المطلوب!
قلت له: حتماً والدك يحبك ..
ويريد لك الخير .. ولا بد أن يشعر بأنك تحبه ..
ويلمس اهتمامك بنفسك وبأخيك وتحسنك في الدراسة أحد الأسباب!!
هزَّ رأسه موافقاً!!
قلت له: لنبدأ باهتمامك بواجباتك ..
اجتهد في ذلك!!
قال: أنا أريد أن أكتب واجباتي.
لكن زوجة أبي لا تجعلني أكتبها ..
قلت: أبداً هذا غير معقول .. أنت تبالغ
قال: لا يأستاذ أنا ما أكذب هي دائما تجعلني ..
أعمل في البيت وأنظف فناء المنزل!!
صدقوني ..
كأني أقرأ قصة في كتاب!!
أو أتابع مسلسلة كتبت أحداثها من نسج الخيال!!
قلت: حاول أن لا تذهب للبيت إلا وقد قمت بحل ما تستطيع من واجباتك!!
رأيته .. خائفاً متردداً .. وإن كان لديه استعداد!!
قلت له (محفزاً): ياسر لو تحسنت قليلاً سأعطيك مكافأة!!
هي أغلى مكافأة تتمناها!!
نظر إليَّ .. وكأنه يسأل عن ماهيتها!!
قلت: سأجعلك تكلم أمك بالهاتف من المدرسة!!
ما كنت أتصور أن يُحْدِثَ هذا الوعد ردة فعل كبيرة!!
لكنني فوجئت به يقوم ويقبل عليَّ مسرعاً.
ويقبض على يدي اليمنى ويقبلها ..
وهو يقول:
أرجوك .. يا أستاذ أنا ولهان على أمي!!
قلت له: ستكلمها بإذن الله شريطة أن تعدني أن تجتهد ..
قال: أعدك!!
بدأ ياسر .. يهتم بنفسه وواجباته.
وساعدني في ذلك بقية المعلمين
فكانوا يجعلونه يحل واجباته في حصص الفراغ.
أو في حصة التربية الفنية ويساعدونه على ذلك!!
كان ذكياً سريع الحفظ .. فتحسن مستواه في أسبوع واحد!!!
(صدقوني نعم تغير في أسبوع واحد)!!
¥